كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

5 - ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه

صفحة 73 - الجزء 5

  السّفاح، فكان إذا كانت عشيّة الخميس قال لنا: يا معشر الرّفقة إن الليلة ليلة الجمعة وأنا أعلم أنكم تسألوني الغناء، وعليّ وعليّ إن غنّيت ليلة / الجمعة، فإن أردتم شيئا فالساعة اقترحوا ما أحببتم؛ فنسأله فيغنّينا، حتى إذا كادت الشمس أن تغيب طرب ثم صاح: الحريق في دار شلمغان، ثم يمرّ في الغناء فما يكون في ليلة أكثر غناء منه في تلك الليلة بعد الأيمان المغلَّظة.

  مالك بن أبي السمح وسليمان بن علي:

  أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  كان سليمان بن عليّ يسمع من مالك بن أبي السّمح بالسّراة⁣(⁣١)، لأنه كان إذا قدم الشأم على الوليد بن يزيد، عدل إليهم في بدأته وعودته لانقطاعه إليهم، فيبرّونه ويصلونه؛ فلما أفصى إليهم الأمر رأى سليمان مالكا على باب ابنه جعفر؛ فقال له: يا بنيّ، لقد رأيت ببابك أشبه الناس بمالك؛ فقال له جعفر: ومن مالك؟ - يوهمه أنه لا يعرفه - فتغافل عنه سليمان لئلا ينبهه عليه فيطلبه، وتوهّم أنه لم يعرفه ولا سمع غناءه.

  قال حمّاد: وحدّثني أبي عن جدّي إبراهيم أنه أخبره أنه رأى مالكا بالبصرة على باب جعفر بن سليمان، أو أخيه محمد، ولم يعرفه، فسأل عنه بعد ذلك فعرفه وقد كان خرج عن البصرة؛ قال: فمالي حسرة مثل حسرتي بأني ما سمعت غناءه.

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال:

  كان مالك بن أبي السّمح يتيما في حجر عبد اللَّه بن جعفر، وكان أبوه أبو السمح صار إلى عبد اللَّه بن جعفر وانقطع إليه، فلما احتضر أوصى بمالك إليه، فكفله وعاله وربّاه، وأدخله في دعوة بني هاشم، فهو فيهم⁣(⁣٢) إلى اليوم. ثم خطب حسين / بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن العبّاس العابدة⁣(⁣٣) بنت شعيب [بن محمد]⁣(⁣٤) بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فمنعه بعض أهلها منها وخطبها لنفسه، فعاون مالك حسينا، وكانت العابدة تستنصحه، وكانت بين أبيها شعيب وبينه مودّة، فأجابت حسينا وتزوّجته، فانقطع مالك إلى حسين؛ فلما أفضى الأمر إلى بني هاشم قدم البصرة على سليمان بن عليّ، فلما دخل إليه متّ بصحبته عبد اللَّه بن جعفر ودعوته في بني هاشم وانقطاعه إلى حسين؛ فقال له سليمان: أنا عارف بكلّ ما قلته يا مالك، ولكنك كما تعلم، وأخاف أن تفسد عليّ أولادي، وأنا واصلك ومعطيك ما تريد وجاعل لك / شيئا أبعث به إليك ما دمت حيّا في كل عام، على أن تخرج عن البصرة وترجع إلى بلدك؛ قال: أفعل جعلني اللَّه فداك؛ فأمر له بجائزة وكسوة وحمله وزوّده إلى المدينة.

  مالك بن أبي السمح في كبره:

  أخبرني عمّي الحسن بن محمد قال حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني محمد بن هارون بن جناح قال أخبرني يعقوب بن إبراهيم الكوفيّ عمن أخبره قال:


(١) يريد بالسراة هنا مكانا بعينه لم نستطع تعيينه من «معاجم البلدان».

(٢) في ط، ء، م: «وأدخلهم في دعوة بني هاشم فهم فيها إلى اليوم».

(٣) في ح هنا: «العائذة» بالذال المعجمة. وانظر الحاشية رقم ٢ ص ١٠٢ من هذا الجزء.

(٤) التكملة عن كتاب «المعارف» لابن قتيبة (ص ١٤٦، وانظر الحاشية رقم ١ ص ١٠٢ من هذا الجزء).