5 - ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه
  قدمنا على يزيد بن عبد الملك أوّل قدومنا عليه مع معبد وابن عائشة، فغنّياه ليلة فأطربناه، فأمر لكل واحد منّا بألف دينار وكتب لنا بها إلى كاتبه، فغدونا عليه بالكتاب؛ فلما رآه أنكره وقال: أيؤمر لمثلكم بألف دينار ألف دينار! لا واللَّه ولا حبّا ولا كرامة!. فرجعنا إلى يزيد فأخبرناه بمقالته وكررنا عليه؛ فقال: كأنه استنكر ذلك؟ فقلنا:
  نعم؛ فقال: مثله واللَّه يستنكره ودعاه؛ فلما حضر ورآنا عنده استأمره فيها، / فأطرق مستحييا؛ وقال له: إني قد قلتها لهم ولا يجمل أن أرجع عما قلت، ولكن قطَّعها عليهم. قال مالك: فمات واللَّه يزيد، وقد بقي لكل واحد منا أربعمائة دينار.
  غنى جعفرا ومحمدا ابني سليمان بن علي فلامهما أبوهما:
  أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد قال قرأت على أبي، وحدّثنا الحسن بن محمد قال:
  / لمّا انهزم عبد اللَّه بن عليّ من أبي مسلم قدم البصرة، وكان عند سليمان بن عليّ، وكان مالك بن أبيالسمح يومئذ بها، فاستزاره جعفر ومحمد فزارهما، وغنّاهما مالك في جوف الليل في دار سليمان بن عليّ، وبلغ الخبر سليمان، فدخل عليهم فعذل جعفرا ومحمدا، وقال: نحن نتوقّع الطامّة الكبرى وأنتم تسمعون الغناء! فقالا: ألا تجلس وتسمع! ففعل، فغنّاهم مالك:
  صوت
  ما كنت أوّل من خاس(١) الزمان به ... قد كنت ذا نجدة أخشى وذا بأس
  أبلغ أبا معبد عنّي وإخوته ... شوقي إليهم وأحزاني ووسواسي
  فخرج وتركهم ولم ينكر عليهم شيئا.
  مدحه الحسين بن عبد اللَّه بشعر:
  وفي مالك بن أبي السمح يقول الحسين [بن عبد اللَّه](٢) بن عبيد اللَّه بن العبّاس:
  صوت
  لا عيش إلا بمالك بن أبي ال ... سّمح فلا تلحني ولا تلم
  أبيض كالبدر أو كما يلمع ال ... بارق في حالك من الظَّلم
  من ليس يعصيك إن رشدت ولا ... يهتك حقّ الإسلام والحرم
  يصيب من لذّة الكريم ولا ... يجهل آي الترخيص في اللَّمم(٣)
  يا ربّ ليل لنا كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم
(١) يقال: خاس الزمان به إذا غدر به.
(٢) التكملة عن «الأغاني» ص ١٠١ من هذا الجزء و «أمالي القالي» (ج ٣ ص ١٢٨ طبع دار الكتب المصرية).
(٣) اللمم: مقاربة الذنب من غير مواقعة وقيل: هو ما دون الكبائر من الذنوب وفي التنزيل العزيز: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ والْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} أي صغائر الذنوب.