كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

5 - ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه

صفحة 76 - الجزء 5

  نعمت فيه ومالك بن أبي ... السمح الكريم الأخلاق والشّيم

  / - غنّاه مالك في الأوّل والثاني والثالث رملا بالبنصر في مجراها - فيقال: إن مالكا قال له: لا واللَّه ولا إن غويت أيضا أعصيك؛ ذكر ذلك الزبير عن عمّه مصعب. ويقال: إنه قال هذه المقالة للوليد بن يزيد، فسرّ بذلك وأجزل صلته.

  غنى الوليد فلم يطربه ثم غناه ثانيا فأطربه:

  أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حمّاد قال حدّثني أبي قال قال ابن الكلبيّ:

  قال الوليد بن يزيد لمعبد قد آذتني ولولتك⁣(⁣١) هذه، وقال لابن عائشة: قد آذاني استهلالك هذا، فانظرا لي رجلا يكون مذهبه متوسّطا بين مذهبيكما؛ فقالا له: مالك بن أبي السّمح؛ فكتب في إشخاصه إليه وسائر مغنّي الحجاز المذكورين؛ فلمّا قدم مالك على الوليد بن يزيد فيمن معه من المغنّين نزل على الغمر بن يزيد، فأدخله على الوليد فغنّاه فلم يعجبه؛ فلما انصرف الغمر قال له: إن أمير المؤمنين لم يعجبه شيء من غنائك؛ فقال له: جعلني اللَّه فداك! اطلب لي الإذن عليه مرّة واحدة، فإن أعجبه شيء مما أغنّيه وإلا انصرفت إلى بلادي. فلما جلس الوليد في مجلس اللهو ذكره الغمر وطلب له الإذن، وقال له: إنه هابك فحصر؛ قال: فأذن له، فبعث إليه؛ فأمر مالك الغلام فسقاه ثلاث صراحيّات⁣(⁣٢) صرفا؛ فخرج حتى دخل عليه يخطر في مشيته. وقال غير ابن الكلبيّ: إنه قال / لفرّاش للوليد: اسقني عسّا⁣(⁣٣) من شراب ولك دينار، فسقاه إيّاه وأعطاه الدينار؛ ثم قال له: زدني آخر فأزيدك / آخر، ففعل حتى شرب ثلاثة، ثم دخل على الوليد يخطر في مشيته؛ فلما بلغ باب المجلس وقف ولم يسلم، وأخذ بحلقة الباب فقعقعها، ثم رفع صوته فغنّى:

  لا عيش إلا بمالك بن أبي ... السمح فلا تلحني ولا تلم

  فطرب الوليد، ورفع يديه، حتى بدا إبطاه إليه مادّا لهما، وقام فاعتنقه قائما، وقال له: اذن يا بن أخي، فدنا حتى اعتنقه؛ ثم أخذ في صوته ذلك، فلم يزالوا فيه أياما، وأجزل صلته حين أراد الانصراف. قال: ولما أتى مالك على قوله:

  أبيض كالسيف أو كما يلمع ال ... بارق في حالك من الظَّلم

  قال له الوليد:

  أحول كالقرد أو كما يرقب ... السارق في حالك من الظَّلم

  كان يأخذ أغاني غيره ويغيرها، ورأى إسحاق في ذلك:

  وكان مالك طويلا⁣(⁣٤) أجنى فيه حول. وقد قال قوم: إنّ مالكا لم يصنع لحنا قطَّ غير هذا - أعني: «لا عيش إلَّا


(١) في ح: «وأوأتك». والوأوأة: صياح ابن آوى، وقيل: ليست خاصة به.

(٢) صراحيات: جمع صراحية وهي إناء من آنية الخمر ولا يعرف أصلها. وقيل عربية صحيحة استعملها الفرس والروم لزجاجة معروفة يوضع فيها الشراب. (راجع «القاموس» و «شرحه» و «اللسان» مادة صرح، و «المخصص» ج ١١ ص ٥٨، و «شفاء الغليل» ص ١٤٤).

(٣) العس: القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة. وجمعه: عسسة.

(٤) كذا في أكثر الأصول، والأجنى (بالقصر) لغة في الأجنأ (بالهمز) وهو الذي أشرف كاهله على صدره. وفي م: «أحنى» (بالحاء المهملة) والأحنى: الأحدب.