كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم

صفحة 191 - الجزء 5

  صوت

  أمن آل ليلى عزفت الطَّلولا ... بذي حرض⁣(⁣١) ما ثلات مثولا

  بلين وتحسب آياتهنّ ... عن فرط حولين رقا محيلا⁣(⁣٢)

  - الشعر لكعب بن زهير⁣(⁣٣). والغناء لإسحاق، وله فيه لحنان: ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر، وماخوريّ بالوسطى. وفيه للزّبير بن دحمان خفيف ثقيل - قال: فجاءنا إسحاق يوما، وأقام عند أبي، وأخرجنا إليه جوارينا، ومرّ الصوت الذي طرحه إبراهيم / بن المهديّ من غنائه؛ فقال إسحاق: من أين لك هذا؟ قال: طرحه أبو إسحاق إبراهيم بن المهديّ أعزّه اللَّه تعالى؛ فقال إسحاق: وما لأبي إسحاق أعزّه اللَّه ولهذا الصوت! هذا أنا صنعته، وليس هو كما طرّحه. قال: فسأله أبي أن يغنّيه، فغنّاه وردّده⁣(⁣٤) حتى صحّ لمن عنده؛ فقال لي أبي: اكتب إلى أبي إسحاق أن أبا محمد أعزّه اللَّه صار إليّ فاحتبسته، وأنه غنّى بحضرتي الصوت الذي ألقيته في منزلك الذي أسكنه، فزعم أنه صنعه، وأنه ليس على ما أخذه الجواري عنك، فأحببت أن أعلم ما عندك، جعلني اللَّه فداك. قال: فكتبت⁣(⁣٥) الرّقعة وأنفذتها إلى إبراهيم. فكتب: نعم، جعلت فداك، صدّق أبو محمد أعزّه اللَّه، الصوت له، وهو على ما ذكره، لكنّي لعبت في وسطه لعبا أعجبني. قال: فقرأ إسحاق الرقعة فغضب غضبا شديدا، ثم قال لي: اكتب إليه: «إذا أردت يا هذا أن تلعب فالعب في غناء نفسك لا في غناء الناس، وما حاجتك إلى هذا الشعر أكثر من ذلك، فاصنع أنت إن كنت تحسن، والعب في صنعتك كما تشتهي مبتدئا باللهو واللعب غير مشارك في جدّ الناس بلعبك ومفسد له بما لا تعلمه. يا أبا / إسحاق، أيّدك اللَّه، ليس هذا الصوت مما يتهيّأ لك أن تمخرق⁣(⁣٦) فيه وتقول: جندرته». قال: وكان إبراهيم يقول: إنه يجندر صنعة القدماء ويحسّنها.

  مناظرته إبراهيم بن المهدي في الغناء بين يدي المعتصم:

  قال عليّ بن محمد حدّثني جدّي حمدون:

  أن إسحاق قال لإبراهيم بن المهديّ بحضرة المعتصم: ما تقول فيمن يزعم أنّ ابن سريج وابن محرز ومعبدا ومالكا وابن عائشة لم يكونوا يحسنون تمام الصّنعة / ولا استيفاء الغناء، ويعجزون عما به يكمل ويتمّ ويحسن،


(١) ذو حرض: واد لبني عبد اللَّه بن غطفان، بينه وبين معدن النقرة خمسة أميال. (انظر «معجم ياقوت» في اسم ذي حرض والنقرة).

(٢) فرط الشيء: مضى وذهب. وأحال: أتى عليه أحوال أي سنون.

(٣) ورد هذا الشعر في «ديوان زهير بن أبي سلمى» و «شرحه» للأعلم الشنتمري وثعلب وغيرهما من النسخ المخطوطة والمطبوعة المحفوظة بدار الكتب المصرية ضمن قصائده، وقد مدح به سنان بن أبي حارثة أبا هرم وهما ممدوحاه ولم يكونا ممدوحي كعب حيث يقول فيه:

إليك سنان الغداة الرحي ... ل أعصى النهاة وأمضى الفئولا

كما ذكره لزهير أيضا أبو عبيد البكري وياقوت الحموي في معجميهما أثناء كلامهما على «حرض»، وذكره المؤلف له أيضا في ترجمته (ج ٩ ص ١٥٢ طبع بولاق) وقد ورد في جميع هذه المصادر «سلمى» بدل «ليلى» وسلمى هذه محبوبته التي يشبب بها في شعره.

(٤) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فردده» بالفاء بدل الواو.

(٥) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فكتبته الرقعة»، وهو تحريف.

(٦) مخرق: موّه. وجندره: أصلحه وصقله. قال في «اللسان» (مادة جدر): «قال الجوهري: وجندرت الكتاب إذا أمررت القلم على ما درس منه ليتبين. وكذلك الثوب إذا أعدت وشيه بعد ما كان ذهب، قال: وأظنه معرّبا».