11 - أخبار إسحاق بن إبراهيم
  فأنت أعلم؛ قال: أفعل ذلك لموضعك على ما فيه عليّ؛ ثم أتيت إبراهيم، وجلست عنده مليّا، وتجارينا(١) الحديث إلى أن خرجنا إلى ذكر الغناء، فخاطبته بما قال لي إسحاق، فتغيّر لونه وانكسر، ثم قال: يا محمد، ليس هذا من كلامك، هذا من كلام الجرمقانيّ(٢) ابن الزانية؛ قل له عنّي: أنتم تصنعون هذا للصناعة، ونحن نصنعه للَّهو واللعب والعبث. قال: فخرجت إلى إسحاق فحدّثته بذلك فقال: الجرمقانيّ واللَّه منا أشبهنا بالجرامقة لغة وهو الذي يقول: «ذهبتو»؛ وأقام عندي يومه فرحا بما بلَّغته إبراهيم عنه من توقيفه على / خطئه.
  كان محمد بن راشد صديقا له فنقل عنه حديثا لابن المهدي ففسد ما بينهما وشعره في ذلك:
  قال عليّ بن محمد قال لي أبي:
  كان محمد بن راشد صديقا لإسحاق ثم فسد ما بينهما؛ فإنه طابق(٣) إبراهيم بن المهديّ عليه، وبلغه عنه من توقيعه أنه يذكره. وكان في محمد بن راشد رداءة ونقل للأحاديث؛ فقال فيه إسحاق:
  وندمان صدق لا تخاف أذاته ... ولا يلفظ الأخبار لفظ ابن راشد
  دعاني إلى ما يشتهي فأجبته ... إجابة محمود الخلائق ماجد
  فلا خير في اللَّذات إلَّا بأهلها ... ولا عيش إلا بالخليل المساعد
  قال: فجمع ابن راشد عدّة من الشعراء وأمرهم بهجاء إسحاق؛ فهجوه بأشعار لم تبلغ مراده، فلم يظهرها.
  وبلغ ذلك إسحاق فقال فيه:
  /
  وأبيات شعر رائعات كأنها ... إذا أنشدت في القوم من حسنها سحر
  تحفّز واقلولى(٤) لردّ جوابها ... أبو جعفر يغلي كما غلت القدر
  فلم يستطعها غير أن قد أعانه ... عليها أناس كي يكون له ذكر
  فيا ضيعة الأشعار إذ يقرضونها ... وأضيع منها من يرى أنها شعر
  قال: فعاذ محمد بن راشد بإسحاق واستكفّه وصالحه، فرجع إليه.
  أخذ إبراهيم بن المهدي صوتا له وغير فيه فلما عرف ذلك غضب:
  أخبرني عمّي قال حدّثني عليّ بن محمد بن نصر الشاميّ قال حدّثني منصور بن محمد بن واضح:
  أن إبراهيم بن المهديّ طرح في منزل أبيه:
(١) كذا في الأصول، ولعله «تجاذبنا الحديث».
(٢) راجع الحاشية رقم ٣ ص ٢٠٧ من هذا الجزء.
(٣) طابقه على الأمر: وافقه ومالأه.
(٤) كذا في ح، وكذلك صححها الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وتحفز الرجل واقلولى: إذا استقل على رجليه ولما يستو قائما وقد تهيأ للوثوب. وفي سائر الأصول: «تحفر» (بالراء المهملة)، وهو تصحيف.