كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

فصل في صناعة الغناء عن العلامة ابن خلدون في «مقدمته»

صفحة 13 - الجزء 1

  ويحاكين بها امتطاء الخيل - فيكرّون ويفرّون ويثاقفون⁣(⁣١)، وأمثال ذلك من اللَّعب المعدّة للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو. وكثر ذلك ببغداد وأمصار العراق، وانتشر منها إلى غيرها. وكان للموصليين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد، فصرفوه إلى المغرب غيرة منه، فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس، فبالغ في تكرمته وركب للقائه وأسنى له الجوائز والإقطاعات والجرايات، وأحلَّه من دولته وندمائه بمكان، فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف، وطما منها بإشبيلية بحر زاخر، وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها⁣(⁣٢) إلى بلاد العدوة بإفريقية والمغرب، وانقسم على أمصارها. وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها.

  وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع؛ لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح. وهي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه، واللَّه أعلم.


وقال أيضا:

أمسى الفرزدق في جلاجل كرج ... بعد الأخيطل ضرّة لجرير

(١) يثاقفون: يخاصمون ويجالدون، ومصدره الثقاف والمثاقفة وهي العمل بالسيف، ومنه:

وكأن لمع بروقها ... في الجوّ أسياف المثاقف

(٢) غضارتها: بهجتها وجدّتها.