كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

5 - أخبار أحمد النصبي ونسبه

صفحة 337 - الجزء 6

  والخيل قد تعلم يوم الوغى ... أنّك من جمرتها ناضح⁣(⁣١)

  قال: فغنّى أحمد النّصبيّ في بعض هذه الأبيات، وجارية لسليم في السطح، فسمعت الغناء، فنزلت إلى مولاها وقالت: إني سمعت من أضيافك شعرا ما سمعت أحسن منه؛ فخرج معها مولاها فاستمع حتى فهم، ثم نزل فدخل عليهما، فقال لأحمد: لمن هذا الشعر والغناء؟ ومن أنتما؟ فقال: الشعر لهذا، وهو أبو المصبّح أعشى همدان، والغناء لي، وأنا أحمد النّصبيّ الهمّداني؛ فانكبّ على رأس أعشى همدان فقبّله وقال: كتمتماني أنفسكما، وكدتما أن تفارقاني ولم أعرفكما، ولم أعلم خبركما، واحتبسهما شهرا ثم حملهما على فرسين، وقال: خلَّفا عندي ما كان من دوابكما، وارجعا من مغزاكما إليّ. فمضيا إلى مغزاهما، فأقاما حينا ثم انصرفا، فلما شارفا منزله قال أحمد للأعشى: إني أرى عجبا! قال: وما هو؟ قال: أرى فوق قصر سليم ثعلبا؛ قال: لئن كنت صادقا فما بقي في القرية أحد. فدخلا القرية، / فوجدا سليما وجميع أهل القرية قد أصابهم الطاعون، فمات أكثرهم وانتقل باقيهم.

  هكذا ذكر إسحاق، وذكر غيره: أن الحجاج طالب سليما بمال عظيم، فلم يخرج منه حتى باع كل ما يملكه، وخربت قريته وتفرّق أهلها؛ ثم باعه الحجاج عبدا، فاشتراه بعض أشراف أهل الكوفة، إما أسماء بن خارجة وإما بعض نظرائه، فأعتقه.

  نسبة هذا الصوت الذي قال الأعشى شعره⁣(⁣٢) وصنع أحمد النصبيّ لحنه في سليم

  صوت

  يا أيها القلب المطيع الهوى ... أنّى اعتراك الطرب النازح

  تذكر جملا فإذا ما نأت ... طار شعاعا قلبك الطامح

  / أعطيت ودّي وثنائي معا ... وخلَّة ميزانها راجح

  إني تخيرت امرأ ماجدا ... يصدق في مدحته المادح

  سليم ما أنت بنكس ولا ... ذمّك لي غاد ولا رائح

  نعم فتى الحيّ إذا ليلة ... لم يور فيها زنده القادح

  وراح بالشّول إلى أهلها ... مغبرّة أذقانها كالح

  وهبّت الريح شآمية ... فانجحر القابس والنابح

  الشعر لأعشى همدان. والغناء لأحمد النّصبي، ولحنه ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.

  وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنا آخر.


(١) الجمرة: القبيلة فيها ثلاثمائة فارس، وقيل: ألف. أو هي كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يحالفون أحدا ولا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لقراع القبائل كما صبرت عبس لقبائل قيس. والناضح: المدافع الرامي.

(٢) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الذي قاله الأعشى في شعره ... إلخ» وهو تحريف.