6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  جارية بكأس وإبريق فصبّت في الكأس ثم مزجته حتى رأيت له حبابا؛ فقال: أنشدني في مثل هذه؛ فقلت:
  يا أمير المؤمنين، هي كما قال عدي بن زيد:
  بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق
  ثم ثاروا إلى الصّبوح فقامت ... قينة في يمينها إبريق
  قدّمته على سلاف كريح ال ... مسك صفّى سلافها الرّاووق
  فترى فوقها فقاقيع كاليا ... قوت يجري خلالها التصفيق(١)
  قال: فشربها ولم يزل يستعيدني الأبيات ويشرب عليها حتى سكر؛ ثم قام فتناول مرفقة من تلك المرافق فجعلها على رأسه ونادى: من يشتري لحوم البقر؟ ثم قال لي: يا حماد، دونك ما في البيت فهو لك؛ فكان أوّل مال تأثّلته(٢).
  حمقه خلف الأحمر وطعن في روايته:
  حدّثني هاشم بن محمد الخزاعي قال / حدّثنا دماذ(٣) عن أبي عبيدة قال:
  قال خلف: كنت آخذ من حماد الراوية الصحيح من أشعار العرب وأعطيه المنحول، فيقبل ذلك مني ويدخله في أشعارها. وكان فيه حمق.
  أنشد زيادا شعرا للأعشى فيه اسم أمه فغضب:
  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال حدّثني المسور العنزيّ - وكان من رواة العرب وكان أسنّ من سماك بن حرب - [عن حماد](٤) قال:
  دخلت على زياد(٥) فقال لي: أنشدني؛ فقلت: من شعر من أيها الأمير؟ قال: من شعر الأعشى؛ فأنشدته:
  بكرت سميّة غدوة أجمالها
  قال: فما أتممت القصيدة حتى تبيّنت الغضب في وجهه؛ وقال الحاجب للناس: ارتفعوا؛ فقاموا؛ ثم لم أعد واللَّه إليه. قال حماد: فكنت بعد ذلك إذا استنشدني خليفة أو أمير تنّبهت قبل أن أنشده لئلا يكون في القصيدة اسم أمّ له أو ابنة أو أخت أو زوجة.
  سأله الوليد عن سبب تسميته بالراوية فأجابه:
  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائنيّ قال:
  قال الوليد بن يزيد لحمّاد الراوية: لم سمّيت الراوية؟ وما بلغ من حفظك حتى استحققت هذا الاسم؟ فقال
(١) مر هذا البيت في ترجمة حماد هذه (ص ٧٧) على غير هذه الرواية.
(٢) تأثل المال: اكتسبه.
(٣) دماذ: هو أبو غسان رفيع بن سلمة صاحب أبي عبيدة. ودماذ لقب كان ينبز به.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) هو زياد ابن أبيه، وأمه سمية.