6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضّل؛ فسألنا عن السبب فأخبرنا أن المهديّ قال للمفضل لما دعا به وحده: إني رأيت زهير بن أبي سلمى افتتح قصيدته بأن قال:
  دع ذا وعدّ القول في هرم
  ولم يتقدّم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضّل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئا إلا أنّي توهمته كان يفكَّر في قول يقوله، أو يروّي في أن يقول شعرا فعدل عنه إلى مدح هرم وقال دع ذا، أو كان مفكرا في شيء من شأنه فتركه وقال دع ذا، أي دع ما أنت فيه من الفكر وعدّ القول في هرم؛ فأمسك عنه. ثم دعا بحماد فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضّل، فقال ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين؛ قال فكيف قال؟
  فأنشده:
  /
  لمن الديار بقنّة(١) الحجر ... أقوين مذ(٢) حجج ومذ(٢) دهر
  قفر بمندفع النحائت(٣) من ... ضفوى(٤) أولات(٥) الضّال والسّدر(٦)
  دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول(٧) وسيّد الحضر
  قال: فأطرق المهديّ ساعة، ثم أقبل على حماد فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لابد من استحلافك عليه، ثم استحلفه بأيمان البيعة وكل يمين محرجة ليصدقنّه عن كل ما يسأله عنه، فحلف له بما توثّق منه. قال له:
  اصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير؛ فأقرّ له حينئذ أنه قائلها؛ فأمر(٨) فيه وفي المفضّل بما أمر به من شهرة أمرهما وكشفه.
  سأله الوليد عن مقدار روايته واستنشده شعرا في الخمر وأجازه:
  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال حدّثنا أحمد بن عبيد قال حدّثنا الأصمعيّ قال:
  قال حماد الراوية: أرسل إليّ أمير الكوفة فقال لي: قد أتاني كتاب أمير المؤمنين الوليد بن يزيد يأمرني بحملك. فجملت فقدمت عليه وهو في الصيد، فلما / رجع أذن لي، فدخلت عليه وهو في بيت منجّد(٩) بالأرمنيّ(١٠) أرضه وحيطانه؛ فقال لي: أنت حماد الراوية؟ فقلت له: إن الناس ليقولون ذلك؛ قال: فما بلغ من روايتك؟ قلت: أروي سبعمائة قصيدة أوّل كلّ واحدة منها: بانت سعاد؛ فقال: إنها لرواية! ثم دعا بشراب فأتته
(١) القنة: أعلى الجبل، وأراد بها هنا ما أشرف على الأرض. والحجر: موضع بعينه وهو حجر اليمامة.
(٢) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول وديوانه: «من» وهي بمعنى مذ.
(٣) كذا في «ديوانه». والنحائت: آبار في موضع معروف. وليس كل الآبار تسمى النحائت. وفي جميع الأصول: «النجائب» وهو تصحيف.
(٤) كذا في «ديوانه». وضفوى (بالفتح ثم السكون وفتح الواو والقصر. ورواه ابن دريد بفتحتين): مكان دون المدينة. وقد وردت هذه الكلمة في جميع الأصول محرفة.
(٥) في ب، س: «ألاف».
(٦) الضال: السدر البري فإن نبت على شطوط الأنهار فهو عبري. وكأنه أراد بالسدر ما كان غير بري فلذلك عطفه على الضال.
(٧) في «ديوانه»: «البداة».
(٨) كذا في «تجريد الأغاني» و «مختار الأغاني». وفي الأصول: «فأمر له فيه ... إلخ».
(٩) المنجد: المزين.
(١٠) لعله يريد به نوعا من الحرير منسوبا إلى أرمن وهي إقليم جبلي من أذربيجان اشتهر بصناعة الحرير.