8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه
  من الشعر وينوح به على كليب؛ فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريّان، واللَّه لا يشرب ماء حتى يرد ربيب - يعني جملا كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدّهاس(١) من أجواف هجر فيرعى فيها غبّا بعد عشر في حمارّة القيظ - فطلبت ركبان بني مالك ربيبا وهم حراص على ألَّا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشا. ونحر عمرو بن مالك يومئذ نابا فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلَّل(٢) أحد بني تغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسير؛ فقال يذكرها:
  ظبية ما ابنة المحلَّل شنبا(٣) ... ء لعوب لذيذة في العناق(٤)
  فلما بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنّقة القيسيّ أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول - وكان محمّقا وهو الذي تضرب به العرب المثل / في الحمق -: لا يكون لي جمل أبدا إلا سميته ربيبا (يعني أن ربيبا كان مباركا لقتله مهلهلا). ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميميّة التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقّش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
  بل هل شجتك الظَّعن(٥) باكرة ... كأنها النخيل(٦) من ملهم(٧)
  عشق المرقش أسماء بنت عوف وخطبها فزوّجها أبوها في بني مراد في غيبته:
  قال أبو عمرو - ووافقه المفضّل الضبي -: وكان من خبر المرقّش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها؛ فقال: لا أزوّجك حتى تعرف(٨) بالبأس - وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن - وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقّش إلى ملك من الملوك فكان عنده زمانا ومدحه فأجازه. وأصاب عوفا زمان شديد؛ فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف(٩)، فأرغبه في المال فزوّجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنّحى عن بني سعد بن مالك.
  أخبره أهله بموت أسماء ولما علم بزواجها من المرادي رحل إليها ومات عندها:
  ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلَّا أنها ماتت؛ فذبحوا كبشا وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفّوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقّش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبر؛ فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطَّى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال
(١) الدهاس: المكان السهل ليس برمل ولا تراب.
(٢) كذا في الطبري وفيما مر في أكثر الأصول من الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص ٥١). وفي ب، س هنا وفيما مر من الجزء الخامس وهامش الطبري: «المجلل» (بالجيم): وفي سائر الأصول هنا غير ب، س: «المجالد».
(٣) الشنباء: التي في أسنانها ماء ورقة وبرد وعذوبة.
(٤) رواية هذا البيت في الجزء الخامس من هذه الطبعة (ص ٥١):
طفلة ما ابنة المحلل بيضا ... ء لعوب لذيذة في العناق
(٥) الظعن: النساء بهوادجهن.
(٦) في «المفصليات»:
«كأنهن النخل ...»
(٧) ملهم: أرض من أرض اليمامة موصوفة بكثرة النخيل.
(٨) في «المفضليات»: «حتى ترأس» أي تكون رئيسا.
(٩) كذا في ح و «المفضليات». وغطيف: بطن من مراد، وهم بنو غطيف بن ناجية بن مراد. وفي سائر الأصول: «عطيف» (بالعين المهملة) وهو تصحيف.