8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه
  أحدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقّش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقّش عن رأسه ودعا الغلام - وكان قد ضني ضنا شديدا - فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المراديّ أسماء؛ / فدعا مرقّش وليدة له ولها زوج من غفيلة(١) كان عسيفا(٢) لمرقّش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المراديّ [عليها](٣) فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضا. وإنهما نزلا كهفا بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفليّ(٤) امرأته وليدة مرقّش؛ فسمع مرقّش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه / فقد هلك سقما وهلكنا معه ضرّا وجوعا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك؛ فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقّش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة - وكانا(٥) أحبّ ولده إليه - إلى نصرانيّ من أهل الحيرة فعلَّمهما الخطَّ. فلما سمع مرقّش قول الغفليّ(٤) للوليدة كتب مرقّش على مؤخّرة الرحل هذه الأبيات:
  يا صاحبيّ تلبّثا لا تعجلا ... إنّ الرواح رهين ألَّا تفعلا(٦)
  فلعلّ لبثكما يفرّط سيّئا(٧) ... أو يسبق الإسراع سيبا مقبلا(٨)
  / يا راكبا إمّا عرضت فبلَّغن ... أنس(٩) بن سعد إن لقيت وحرملا
  للَّه درّكما ودرّ أبيكما ... إن أفلت العبدان(١٠) حتى يقتلا
  من مبلغ الأقوام أنّ مرقّشا ... أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا(١١)
  وكأنما ترد السباع بشلوه ... إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا
  قال: فانطلق الغفليّ وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقّش. ونظر حرملة إلى الرّحل وجعل يقلَّبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوّفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في
(١) في أكثر الأصول: «عقيلة». وفي ح: «عقيل» (بالعين المهملة والقاف). وفي «تجريد الأغاني»: «عفيل» (بالفاء). والتصويب عن «المفضليات» و «كتاب المعارف» و «القاموس». وغفيلة: حي من ولد عمرو بن قاصد ولهم عدد بالجزيرة في بني تغلب.
(٢) كذا في ح و «تجريد الأغاني» و «المفضليات». والعسيف: الأجير والعبد المستعان به. وفي سائر الأصول: «عشيقا» وهو تصحيف.
(٣) زيادة عن ح.
(٤) في الأصول هنا وفيما يأتي: «العقيلي» والتصويب عن «المفضليات».
(٥) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول و «المفضليات» و «تجريد الأغاني»: «وكان ... إلخ».
(٦) في هذا البيت عدة روايات ذكرها ابن الأنباري شارح «المفضليات». (ص ٤٥٨ طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت).
(٧) كذا في «المفضليات» و «لسان العرب» مادة «فرط». وقد وردت هذه الكلمة في سائر الأصول محرّفة.
(٨) قال صاحب «المفضليات» في التعليق على هذا البيت: «قال أبو عكرمة: يفرط: يقدّم، مأخوذ من الفارط وهو المتقدّم قبل الماشية يصلح الدلاء والأرشية والحياض. يقول: لعل انتظاركما يقدّم عنكما مكروها. ولعل سيبا مقبلا يكون بعد عجلتكما، فانتظاركما أوفق. قال: وقال أبو عمرو: الإفراط: التقدّم والعجلة، يقول إن أبطأتما فعرض لكما شر فلعله أن يخطئكما وإن تقدّمتما فعرض خير بعدكما فلعله لا يصادفكما».
(٩) أنس بن سعد وحرملة: هما أخوا مرقش.
(١٠) في «المفضليات»:
«إن أفلت الغفلى ... إلخ»
(١١) زاد صاحب «المفضليات» بعد هذا البيت وقبل الأخير بيتا وهو:
ذهب السباء بأنفه فتركته ... أعثى عليه بالجبال وجيئلا
ويعني بالأعثى: الضبعان وهو ذكر الضباع. والجيئل: الأنثى.