كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

8 - أخبار المرقش الأكبر ونسبه

صفحة 378 - الجزء 6

  أحدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقّش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقّش عن رأسه ودعا الغلام - وكان قد ضني ضنا شديدا - فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المراديّ أسماء؛ / فدعا مرقّش وليدة له ولها زوج من غفيلة⁣(⁣١) كان عسيفا⁣(⁣٢) لمرقّش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المراديّ [عليها]⁣(⁣٣) فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضا. وإنهما نزلا كهفا بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفليّ⁣(⁣٤) امرأته وليدة مرقّش؛ فسمع مرقّش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه / فقد هلك سقما وهلكنا معه ضرّا وجوعا. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك؛ فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقّش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة - وكانا⁣(⁣٥) أحبّ ولده إليه - إلى نصرانيّ من أهل الحيرة فعلَّمهما الخطَّ. فلما سمع مرقّش قول الغفليّ⁣(⁣٤) للوليدة كتب مرقّش على مؤخّرة الرحل هذه الأبيات:

  يا صاحبيّ تلبّثا لا تعجلا ... إنّ الرواح رهين ألَّا تفعلا⁣(⁣٦)

  فلعلّ لبثكما يفرّط سيّئا⁣(⁣٧) ... أو يسبق الإسراع سيبا مقبلا⁣(⁣٨)

  / يا راكبا إمّا عرضت فبلَّغن ... أنس⁣(⁣٩) بن سعد إن لقيت وحرملا

  للَّه درّكما ودرّ أبيكما ... إن أفلت العبدان⁣(⁣١٠) حتى يقتلا

  من مبلغ الأقوام أنّ مرقّشا ... أضحى على الأصحاب عبئا مثقلا⁣(⁣١١)

  وكأنما ترد السباع بشلوه ... إذ غاب جمع بني ضبيعة منهلا

  قال: فانطلق الغفليّ وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقّش. ونظر حرملة إلى الرّحل وجعل يقلَّبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوّفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في


(١) في أكثر الأصول: «عقيلة». وفي ح: «عقيل» (بالعين المهملة والقاف). وفي «تجريد الأغاني»: «عفيل» (بالفاء). والتصويب عن «المفضليات» و «كتاب المعارف» و «القاموس». وغفيلة: حي من ولد عمرو بن قاصد ولهم عدد بالجزيرة في بني تغلب.

(٢) كذا في ح و «تجريد الأغاني» و «المفضليات». والعسيف: الأجير والعبد المستعان به. وفي سائر الأصول: «عشيقا» وهو تصحيف.

(٣) زيادة عن ح.

(٤) في الأصول هنا وفيما يأتي: «العقيلي» والتصويب عن «المفضليات».

(٥) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول و «المفضليات» و «تجريد الأغاني»: «وكان ... إلخ».

(٦) في هذا البيت عدة روايات ذكرها ابن الأنباري شارح «المفضليات». (ص ٤٥٨ طبع مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت).

(٧) كذا في «المفضليات» و «لسان العرب» مادة «فرط». وقد وردت هذه الكلمة في سائر الأصول محرّفة.

(٨) قال صاحب «المفضليات» في التعليق على هذا البيت: «قال أبو عكرمة: يفرط: يقدّم، مأخوذ من الفارط وهو المتقدّم قبل الماشية يصلح الدلاء والأرشية والحياض. يقول: لعل انتظاركما يقدّم عنكما مكروها. ولعل سيبا مقبلا يكون بعد عجلتكما، فانتظاركما أوفق. قال: وقال أبو عمرو: الإفراط: التقدّم والعجلة، يقول إن أبطأتما فعرض لكما شر فلعله أن يخطئكما وإن تقدّمتما فعرض خير بعدكما فلعله لا يصادفكما».

(٩) أنس بن سعد وحرملة: هما أخوا مرقش.

(١٠) في «المفضليات»:

«إن أفلت الغفلى ... إلخ»

(١١) زاد صاحب «المفضليات» بعد هذا البيت وقبل الأخير بيتا وهو:

ذهب السباء بأنفه فتركته ... أعثى عليه بالجبال وجيئلا

ويعني بالأعثى: الضبعان وهو ذكر الضباع. والجيئل: الأنثى.