17 - أخبار وضاح اليمن ونسبه
  وأقفلت عليه. فأهدي للوليد جوهر له قيمة فأعجبه واستحسنه، فدعا خادما له فبعث به معه إلى أم البنين وقال: قل لها: إن هذا الجوهر أعجبني فآثرتك به. فدخل الخادم عليها مفاجأة ووضّاح عندها، فأدخلته الصندوق وهو يرى، فأدّى إليها رسالة الوليد ودفع إليها الجوهر، ثم قال: يا مولاتي، هبيني منه حجرا؛ فقالت: لا، بابن اللَّخناء ولا كرامة. فرجع إلى الوليد فأخبره؛ فقال: كذبت يا بن اللخناء، وأمر به فوجئت عنقه. ثم لبس نعليه ودخل على أمّ البنين وهي جالسة في ذلك البيت تمتشط، وقد وصف له الخادم الصندوق الذي أدخلته فيه، فجلس عليه ثم قال لها: يا أمّ البنين، ما أحبّ إليك هذا البيت من بين بيوتك! فلم تختارينه؟ فقالت: أجلس فيه وأختاره لأنه يجمع حوائجي كلَّها فأتناولها منه كما أريد من قرب. فقال لها: هبي لي صندوقا من هذه الصناديق؛ قالت: كلَّها لك يا أمير المؤمنين؛ قال: ما أريدها كلَّها وإنما أريد واحدا منها؛ فقالت / له: خذ أيّها شئت؛ قال: هذا الذي جلست عليه؛ قالت: خذ غيره فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها؛ قال: ما أريد غيره؛ قالت: خذه يا أمير المؤمنين. فدعا بالخدم وأمرهم بحمله، فحمله حتى انتهى به إلى مجلسه فوضعه فيه. ثم دعا عبيدا له فأمرهم فحفروا بئرا في المجلس عميقة، فنحّى البساط وحفرت إلى الماء. ثم دعا بالصندوق فقال: [يا هذا](١) إنه بلغنا شيء إن كان حقّا فقد كفّنّاك(٢) ودفنّاك ودفنّا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنا دفنّا الخشب، وما أهون / ذلك! ثم قذف به في البئر وهيل عليه التراب وسوّيت الأرض وردّ البساط إلى حاله وجلس الوليد عليه. ثم ما رئي بعد ذلك اليوم لوضّاح أثر في الدنيا إلى هذا اليوم. قال: وما رأت أمّ البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرّق الموت بينهما.
  أرضت أم البنين وضاح وهو في دمشق فقال شعرا:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثني مصعب بن عبد اللَّه قال:
  رضت أم البنين ووضّاح مقيم بدمشق، وكان نازلا عليها؛ فقال في علَّتها:
  صوت
  حتّام نكتم حزننا حتّاما ... وعلام نستبقي الدموع علاما
  إن الذي بي قد تفاقم واعتلى ... ونما وزاد وأورث الأسقاما
  قد أصبحت أمّ البنين مريضة ... نخشى ونشفق أن يكون حماما
  يا ربّ أمتعني بطول بقائها ... واجبر بها الأرمال والأيتاما
  واجبر بها الرجل الغريب بأرضها ... قد فارق الأخوال والأعماما
  كم راغبين وراهبين وبؤّس ... عصموا بقرب جنابها إعصاما
  بجناب ظاهرة الثّنا(٣) محمودة ... لا يستطاع كلامها إعظاما
(١) الزيادة عن كتاب «أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام» لمحمد بن حبيب، المحفوظ منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية (تحت رقم ٥٧ أدب ش).
(٢) كذا في جميع الأصول ولعلها: «كفيناك».
(٣) كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «النثا». الثنا، كما قال الجوهري، في الخير خاصة. النثا (بالقصر): مثل الثنا إلا أنه في الخير والشر.