كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

18 - أخبار بشار وعبدة خاصة

صفحة 455 - الجزء 6

  أصبحت كالحائم الحرّان مجتنبا ... لم يقض وردا ولا يرجى له صدر

  قال: وقال فيها أيضا - وهو من جيّد ما قال فيها -:

  يزهّدني في حبّ عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي

  فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحبّ

  فما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلب

  وما الحسن إلا كلّ حسن دعا الصّبا ... وألَّف بين العشق والعاشق الصبّ

  قال: وقال فيها:

  يا قلب مالي أراك لا تقر ... إياك أعني وعندك الخبر

  أضعت بين الألى مضوا حرقا ... أم ضاع ما استودعوك إذ بكروا؟

  فقال بعض الحديث يشغفني ... والقلب راء ما لا يرى البصر

  عابه الحسن البصري وهتف به فهجاه:

  وأخبرني بهذا الخبر أبو الحسن أحمد بن محمد الأسديّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثنا خالد بن يزيد بن وهب عن جرير عن أبيه بمثل هذه القصة، وزاد فيها:

  / أنّ عبدة جاءت إليه في نسوة خمس قد مات لإحداهن قريب فسألنه أن يقول شعرا ينحن عليه به، فوافينه وقد احتجم - وكان له مجلسان: مجلس يجلس فيه غدوة يسميه «البردان» ومجلس يجلس فيه عشيّة يسميه «الرّقيق» - وهو جالس في البردان وقد قال لغلامه: أمسك عليّ بابي واطبخ لي وهيّئ طعامي وطيّبه وصفّ نبيذي.

  قال: فإنه لكذلك إذا قرع الباب عليه قرعا عنيفا؛ فقال: ويحك يا غلام! انظر من يدقّ الباب دقّ الشّرط؛ فنظر الغلام وجاءه فقال: خمس نسوة بالباب يسألنك أن تقول شعرا ينحن فيه؛ فقال: أدخلهنّ. فلما دخلن / نظرن إلى النبيذ مصفّى في قنانيّه؛ [في جانب بيته]⁣(⁣١) فقالت إحداهن: خمر؛ [وقالت الأخرى: زبيب]⁣(⁣٢)؛ وقالت الأخرى:

  معسّل. فقال: لست بقائل لكنّ حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي. فتماسكن ساعة، وقالت إحداهن:

  فما عليكنّ من ذلك! هذا أعمى، كلن من طعامه واشربن من شرابه وخذن شعره، ففعلن. وبلغ ذلك الحسن البصري فعابه وهتف به. فبلغ ذلك بشّارا، وكان الحسن يلقّب القسّ⁣(⁣٣)، فقال فيه بشّار:

  لمّا طلعن من الرّقي ... ق عليّ بالبردان خمسا⁣(⁣٤)

  وكأنهنّ أهلَّة ... تحت الثياب زففن شمسا

  باكرن طيب لطيمة⁣(⁣٥) ... رعمسن في الجاديّ عمسا


(١) زيادة عن ح.

(٢) هذه العبارة ساقطة من ب، س.

(٣) لقب به لصلاحه.

(٤) تقدّمت هذه الأبيات مع تفسير كلماتها الغامضة في «ترجمة بشار» (ج ٣ ص ١٧٠ من هذه الطبعة).

(٥) اللطيمة: المسك ونافجته، وقيل: العير التي تحمل الطيب. والجادي: الزعفران.