كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه

صفحة 519 - الجزء 6

  وثب الشيخ إلى نعله فعلَّقها في أذنه وجثا على ركبتيه وأخذ بطرف أذنه والنّعل فيها وجعل يقول: أهدوني⁣(⁣١) أنا بدنة، أهدوني أنا بدنة. ثم أقبل عليهم فقال: كم قيل لكم إنها تساوي؟ قالوا: ستمائة دينار. قال: هي وحقّ القبر خير من ستة آلاف دينار، وو اللَّه لا يملكها عليّ أحد أبدا، فانصرفوا إذا شئتم.

  كان ابن جريج في حلقة يحدث فمرّ به ابن تيزن فسأله أن يغنيه بغناء ابن سريج:

  أخبرنا وسواسة بن الموصليّ - وهو أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الموصليّ - قال حدّثني حماد بن إسحاق قال:

  وجدت في كتب أبي عن عثمان بن حفص الثّقفيّ عن ابن عمّ لعمارة بن حمزة قال حدّثني سليم⁣(⁣٢) الحساب عن داود المكيّ قال:

  كنّا في حلقة ابن جريج وهو يحدّثنا وعنده ابن المبارك وجماعة من العراقيّين، إذ مرّ به ابن تيزن - قال حمّاد:

  ويقال ابن بيرن - وقد ائتزر بمئزرة على صدره، وهي إزرة الشّطَّار⁣(⁣٣) عندنا. فدعاه ابن جريج؛ فقال له: إني مستعجل، وقد وعدت أصحابا لي فلا أقدر أن أحتبس عنهم. فأقسم عليه حتى أتاه، فجلس وقال له: ما تريد؟

  قال: أحبّ أن تسمعني. قال: أنا أجيئك إلى المنزل، فلم تجلسني مع هؤلاء الثقلاء!. قال: أسألك أن تفعل؛ قال: امرأته طالق إن غنّاك فوق ثلاثة أصوات. قال: ويحك! ما أعجلك باليمين؟! قال: أكره أن أحتبس عن أصحابي. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: اعقلوا رحمكم اللَّه. ثم قال له: غنّني الصوت / الذي أخبرتني أنّ ابن سريج غنّاه في اليوم الثالث⁣(⁣٤) من أيام منى على جمرة العقبة فقطع الطريق على الذاهب والجائي حتى تكسّرت المحامل. فغنّاه:

  عوجي عليّ فسلَّمي جبر

  فقال ابن جريج: أحسنت واللَّه! - ثلاث مرّات - ويحك أعده. قال: أمن الثلاثة؟ فإني قد حلفت. قال: أعده فأعاده؛ فقال: أحسنت! أعده من الثلاثة؛ فأعاده وقام فمضى. فقال ابن جريج لأصحابه: لعلكم أنكرتم ما فعلت! قالوا: إنا لننكره بالعراق. قال: فما تقولون في الرّجز؟ (يعني الحداء) قالوا: لا بأس به. قال: فما الفرق بينهما!.

  أحسن الناس حلوقا في الغناء:

  وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك عن أبي أيوب المدينيّ قال:

  ثلاثة من المغنّين كانوا أحسن الناس حلوقا: ابن تيزن، وابن عائشة، وابن أبي الكنّات.


(١) الإهداء: سوق الحيوان إبلا أو بقرا أو شاء إلى البيت الحرام هديا.

(٢) في ب، س: «سليمان».

(٣) كان هذا الاسم يطلق في الدولة العباسية على أهل البطالة والفساد.

(٤) في أ، ح، ء، م: «الثاني».