22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
  بِرَبِّ النَّاسِ} وأخطئ فيها، وأقرأ {قُلْ هُوَ أللهُ أَحَدٌ} مثل الماء الجاري. قال: ضعوه في الحبس ووكَّلوا به معلَّما يعلَّمه القرآن وما يجب عليه من حدود الطَّهارة والصلاة وأجروا عليه في كل يوم ثلاثة دراهم وعلى معلَّمه ثلاثة دراهم أخّر، ولا يخرج من الحبس حتى يحفظ القرآن أجمع. فكان كلَّما علَّم سورة نسي التي قبلها. فبعث رسولا إلى عمر: يا أمير المؤمنين، وجّه إليّ من يحمل إليك ما أتعلَّمه أوّلا فأوّلا، فإني لا أقدر على حمله جملة واحدة.
  فيئس عمر من فلاحه وقال: ما أرى هذه الدراهم إلا ضائعة، ولو أطعمناها جائعا أو أعطيناها محتاجا أو كسوناها عريانا لكان أصلح. ثم دعا به، فلما وقف بين يديه قال له: اقرأ {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ}. / قال: أسأل اللَّه العافية! أدخلت يدك في الجراب فأخرجت(١) شرّ ما فيه وأصعبه. فأمر به فوجئت(٢) عنقه ونفاه. فاندفع يغنّي وقد توجّهوا به:
  عوجي عليّ فسلَّمي جبر ... فيم الوقوف وأنتم سفر
  / ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر
  فلما سمع الموكَّلون به حسن ترنّمه خلَّوه وقالوا له: اذهب حيث شئت مصاحبا بعد استماعهم منه طرائف(٣) غنائه سائر يومهم وليلتهم.
  حج محمد بن خالد ابن عبد اللَّه وسمع جارية محمد بن عمران فطرب وأراد شراءها فرده:
  أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي عن المدائنيّ قال:
  أحجّ خالد بن عبد اللَّه ابنه محمدا وأصحبه رزاما(٤) مولاه وأعطاه مالا، وقال: إذا دخلت المدينة فاصرفه فيما أحببت. فلما صرنا(٥) بالمدينة سأل محمد عن جارية حاذقة؛ فقيل: عند محمد بن عمران التّيمي القاضي. فصلينا الظهر في المسجد ثم ملنا إليه فاستأذنّا عليه فأذن لنا وقد انصرف من المسجد وهو قاعد على لبد(٦) ونعلاه في آخر اللَّبد؛ فسلَّمنا عليه فردّ؛ ونسب(٧) محمدا فانتسب له، فقال: خيرا. ثم قال: هل من حاجة؟ فلجلج. فقال: كأنك ذكرت فلانة! يا جارية أخرجي؛ فخرجت فإذا أحسن الناس، ثم تغنّت فإذا أحذق الناس؛ فجعل الشيخ يذهب مع حركاتها ويجيء، إلى أن غنّت قوله:
  عوجي عليّ فسلَّمي جبر
  / فلما بلغت:
  حتى يفرق بيننا النّفر
(١) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «أشد ما فيه».
(٢) الوجء: اللكز والضرب، يقال: وجأت عنقه وفي عنقه أي ضربته.
(٣) كذا في م. وفي سائر الأصول: «ظرائف» بالظاء المعجمة، وهو تصحيف.
(٤) هو رزام بن مسلم، أدرك أبا جعفر المنصور وله بعض حوادث وردت في «الطبري» (ق ٣ ص ١٣٢، ١٦٤، ١٩٦، ٢١٥، ٢١٦، ٦٣٧).
(٥) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «فلما صار».
(٦) اللبد: بساط من صوف.
(٧) نسبه: سأله عن نسبه.