كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه

صفحة 19 - الجزء 7

  عرضت على الوليد بن يزيد جارية صفراء كوفيّة مولَّدة يقال لها سعاد، فقال لها: أيّ شيء تحسنين؟ فقال:

  أنا مغنّية؛ فقال لها: غنّيني، فغنّت:

  صوت

  /

  لولا الذي حمّلت من حبّكم ... لكان في إظهاره مخرج

  أو مذهب في الأرض ذو فسحة ... أجل ومن حجّت له مذحج

  لكن سباني منكم شادن ... مربّب ذو غنّة أدعج

  أغرّ ممكور⁣(⁣١) هضيم الحشى ... قد ضاق عنه الحجل والدّملج

  - الشعر للحارث بن خالد. والغناء لابن سريج خفيف رمل بالبنصر. وفيه لدحمان هزج بالوسطى؛ وذكر الهشاميّ أن الهزج ليحيى المكيّ - فطرب طربا شديدا وقال: يا غلام اسقني، فسقاه عشرين قدحا وهو يستعيدها.

  ثم قال لها: لمن هذا الشعر؟ قالت: للحارث بن خالد. قال: وممّن أخذتيه؟ قالت: من حنين. قال: وأين لقيته؟

  قالت: ربيت بالعراق وكان أهلي يجيؤن به فيطارحني. فدعا صاحبه فقال: اذهب فابتعها بما بلغت ولا تراجعني في ثمنها ففعل؛ ولم تزل عنده حظيّة.

  شرب هو ومحمد بن سليمان بن عبد الملك بجرن:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني عبيد اللَّه بن أحمد بن الحارث القرشيّ قال حدّثنا العباس بن الوليد قال حدّثنا ضمرة قال:

  خرج عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام يوما إلى بعض الدّيارات فنزل فيه وهو وال على الرّملة؛ فسأل صاحب الدّير: هل نزل بك أحد من بني أميّة؟ قال: نعم، نزل بي الوليد بن يزيد ومحمد بن سليمان بن عبد الملك. قال:

  فأيّ شيء صنعا؟ قال: شربا في ذلك الموضع، ولقد رأيتهما شربا في آنيتهما، ثم قال أحدهما لصاحبه: / هلمّ نشرب بهذا الجرن⁣(⁣٢) - وأومأ إلى جرن عظيم من رخام - قال: أفعل؛ فلم يزالا يتعاطيانه بينهما وينسربان ويشربان به حتى ثملا. فقال عبد الوهاب لمولى له أسود: هاته. قال ضمرة: وقد رأيته وكان يوصف بالشدّة، فذهب يحرّكه فلم يقدر. فقال الراهب: واللَّه لقد رأيتهما يتعاطيانه وكلّ واحد منهما يملؤه لصاحبه فيرفعه ويشربه غير مكترث.

  وفد عليه سعد بن مرة ومدحه فأجازه:

  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو غسّان محمد بن يحيى قال:

  وفد سعد بن مرّة بن جبير مولى آل كثير بن الصّلت، وكان شاعرا، على الوليد بن يزيد، فعرض له في يوم من أيام الربيع وقد خرج إلى متنزّه له، فصاح به: يا أمير المؤمنين، وافدك وزائرك ومؤمّلك؛ فتبادر الحرس إليه ليصدّوه عنه، فقال: دعوه، أدن إليّ فدنا إليه؛ فقال: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الحجاز شاعر؛ قال: تريد ما ذا؟

  قال: تسمع منّي أربعة أبيات؛ قال: هات.


(١) المرأة الممكورة: المستديرة الساقين، أو هي المدمجة الخلق الشديدة البضعة.

(٢) الجرن: حجر منقور يصب فيه الماء فيتوضأ به.