كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه

صفحة 197 - الجزء 1

  كتبت إليك من بلدي ... كتاب مولَّه كمد

  كئيب واكف⁣(⁣١) العيني ... ن بالحسرات منفرد

  يؤرّقه لهيب الشّو ... ق بين السّحر⁣(⁣٢) والكبد

  فيمسك قلبه بيد ... ويمسح عينه بيد

  / وكتبه في قوهيّة⁣(⁣٣) وشنفه⁣(⁣٤) وحسّنه وبعث به إليها. فلَّما قرأته بكت بكاء شديدا، ثم تمثّلت:

  بنفسي من لا يستقلّ بنفسه ... ومن هو إن لم يحفظ⁣(⁣٥) اللَّه ضائع

  وكتبت إليه تقول:

  أتاني كتاب لم ير الناس مثله ... أمدّ⁣(⁣٦) بكافور ومسك وعنبر

  وقرطاسه قوهيّة ورباطه ... بعقد من الياقوت صاف وجوهر

  وفي صدره: منّي إليك تحيّة ... لقد طال تهيامي بكم وتذكَّري

  وعنوانه من مستهام فؤاده ... إلى هائم صبّ من الحزن مسعر

  قال مؤلف هذا الكتاب: وهذا الخبر عندي مصنوع، وشعره مضعّف يدلّ على ذلك، ولكنّي ذكرته كما وقع إليّ⁣(⁣٧).

  قال أبو سعيد مولى فائد ومن ذكر خبره مع الثّريّا: فمات عنها سهيل أو طلَّقها، فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة بدمشق في دين عليها، فبينا هي عند / أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان، إذ دخل عليها الوليد فقال: من هذه؟ فقالت: الثريّا جاءتني، تطلب⁣(⁣٨) إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها. فأقبل عليها الوليد فقال: أتروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئا؟ قالت: نعم، أما إنه يرحمه اللَّه كان عفيفا عفيف الشّعر، أروي قوله:


(١) في ت: «واكف العبرات»؛ يقال: وكفت العين، إذا سألت دموعها.

(٢) السحر: الرئة.

(٣) ثوب قوهيّ: منسوب إلى قوهستان، وهي كورة من كور فارس بين نيسابور وهراة، وقصبتها قاين. وهو ثوب أبيض، وكل ثوب يشبهه يقال له قوهيّ وإن لم يكن منها.

(٤) اضطربت الأصول في هذه الكلمة ففيء، م: «وشقه». وفي ح: «وشافه». وفي ر: «وشأنه» وفي ت: «وسفنه»، وفي ب: س، أ: «وشنفه». يقال: شنف المرأة، إذا ألبسها الشّنف وهو الذي يلبس في أعلى الأذن وقيل هو والقرط سواء. فلعل المراد أنه حسّن الكتاب كما تحسّن المرأة بلبس الشنف، أو أنه محرف عن شنقه أي جعل له شناقا، وهو في الأصل كل خيط علقت به شيئا؛ يقال:

شنق القربة وأشنقها إذا أوكاها. فلعل المراد أنه أرسل لها كتابا مكتوبا على قماش من هذا النوع (وربما زاد في حسنه أنه كان من الأنواع الثمينة من الحوير أو نحوه) وأطبقه وربطه بعقد من الياقوت بدل الخيط الذي يربط به في العادة كما سيأتي في الأبيات، أو أنه محرّف عن «مشقه» أو نمّقه «أو رقّنه» بمعنى زيّنه.

(٥) في ح، ر: «إن لم يرحم اللَّه».

(٦) أي جعل مداده من هذه الأخلاط الثلاثة. وفي «الخزانة» ج ١ ص ٢٣٩: «أبين».

(٧) هذه الجملة: «قال مؤلف هذا الكتاب ... كما وقع إليّ» غير موجودة في ت.

(٨) كذا في ت. وفي ح: «جاءتين إليك في قضاء دين عليها» وفي سائر النسخ: «جاءتني إليك أطلب في قضاء الخ». والمراد جاءتني ترغب إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها.