جرير
  عوى(١)
  الشعراء بعضهم لبعض ... عليّ فقد أصابهم انتقام
  إذا أرسلت قافية شرودا ... رأوا أخرى تحرّق فاستداموا(٢)
  / فمصطلم(٣) المسامع أو خصيّ ... وآخر عظم هامته حطام
  ثم عاد من حيث قطع. فلما فرغ قيل له: ولم قلت هذا؟ قال: قد نهيت الأحوص أن يعين عليّ الفرزدق، فأنا واللَّه يا بني عمرو بن عوف ما تعوّذت من شاعر قطَّ، ولولا حقّكم ما تعوّذت منه.
  أوفده الحجاج على عبد الملك مع ابنه محمد وأوصاه به
  : أخبرنا علي بن سليمان الأخفش قال حدّثنا الحسن بن الحسين السّكَّريّ قال: قال عمارة بن عقيل حدّثني أبي عن أبيه:
  أن الحجّاج أوفد ابنه محمّد بن الحجّاج إلى عبد الملك وأوفد إليه جريرا معه ووصّاه به وأمره بمسألة عبد الملك في الاستماع منه ومعاونته عليه. فلما وردوا استأذن له محمد على عبد الملك، فلم يأذن له، وكان لا يسمع من شعراء مضر ولا يأذن لهم، لأنهم كانوا زبيريّة. فلما استأذن له محمد على عبد الملك ولم يأذن له أعلمه أن أباه الحجاج يسأله في أمره ويقول: إنه لم يكن ممّن والى ابن الزبير ولا نصره بيده ولا لسانه، وقال له محمد: يا أمير المؤمنين، إنّ العرب لتحدّث أنّ عبدك وسيفك الحجّاج شفع في شاعر قد لاذ به وجعله وسيلته ثم رددته؛ فأذن له فدخل فاستأذن في الإنشاد؛ فقال له: وما عساك أن تقول فينا بعد قولك في الحجّاج! ألست القائل:
  من سدّ مطَّلع النّفاق عليكم ... أم من يصول كصولة الحجاج
  إن اللَّه لم ينصرني بالحجّاج وإنما نصر دينه وخليفته. أو لست القائل:
  أم من يغار على النساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج
  يا عاضّ كذا وكذا من أمّه! واللَّه لهممت أن أطير بك طيرة بطيئا سقوطها، أخرج عنّي، فأخرج بشرّ. فلما كان بعد ثلاث شفع إليه محمد لجرير وقال له: / يا أمير المؤمنين، إني أدّيت رسالة عبدك الحجّاج وشفاعته في جرير، فلما أذنت له خاطبته بما أطار لبّه منه وأشمت به عدوّه، ولو لم تأذن له لكان خيرا له مما سمع. فإن رأيت أن تهب كلّ ذنب له لعبدك الحجّاج ولي فافعل، فإذن له. فاستأذنه في الإنشاد، فقال: لا تنشدني إلَّا في الحجاج فإنما أنت للحجاج خاصّة. فسأله أن ينشده مديحه فيه، فأبى وأقسم ألَّا ينشده إلَّا من قوله في الحجّاج؛ فأنشده وخرج بغير جائزة. فلما أزف الرّحيل قال جرير لمحمد: إن رحلت عن أمير المؤمنين ولم يسمع منّي ولم آخذ له جائزة سقطت آخر الدهر، ولست بارحا بابه أو يأذن لي في الإنشاد. وأمسك عبد الملك عن الإذن له. فقال جرير: إرحل أنت وأقيم أنا. فدخل محمد على عبد الملك فأخبره بقول جرير واستأذنه له وسأله أن يسمع منه وقبّل يده ورجله، فإذن
(١) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «غوى» بالغين المعجمة وهو تصحيف. وعواؤهم: المراد به تناصرهم وتعاونهم، كما يعوي الذئب لأصحابه لتجتمع حوله.
(٢) رواية «الديوان» و «لسان العرب» (مادة دوم): «إذا أوقعت صاعقة عليهم». ومعنى استداموا: انتظروا، كقول الشاعر:
ترى الشعراء من صعق مصاب ... بصكته وآخر مستديم
(٣) الاصطلام: القطع.