جرير
  له. فدخل فاستأذن في الإنشاد، فأمسك عبد الملك. فقال له محمد: أنشد ويحك! فأنشده قصيدته / التي يقول فيها:
  ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
  فتبسّم عبد الملك وقال: كذلك نحن وما زلنا كذلك. ثم اعتمد على ابن الزّبير فقال:
  دعوت الملحدين أبا خبيب(١) ... جماحا هل شفيت من الجماح
  وقد وجدوا الخليفة هبرزيّا(٢) ... ألفّ(٣) العيص ليس من النّواحي
  وما شجرات عيصك في قريش ... بعشّات(٤) الفروع ولا ضواحي
  / قال: ثم أنشده إيّاها حتى أتى على ذكر زوجته فيها فقال:
  تعزّت أمّ حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح
  تعلَّل وهي ساغبة بنيها ... بأنفاس(٥) من الشّبم القراح
  فقال عبد الملك: هل ترويها مائة لقحة؟ فقال: إن لم يروها ذلك فلا أرواها اللَّه! فهل إليها - جعلني اللَّه فداك يا أمير المؤمنين - من سبيل؟ فأمر له بمائة لقحة وثمانية من الرّعاء. وكانت بين يديه جامات من ذهب؛ فقال له جرير: يا أمير المؤمنين، تأمر لي بواحدة منهنّ تكون محلبا؟ فضحك وندس(٦) إليه واحدة منهنّ بالقضيب وقال: خذها لا نفعتك! فأخذها وقال: بلى واللَّه يا أمير المؤمنين لينفعنّي كلّ ما منحتنيه، وخرج من عنده. قال: وقد ذكر ذلك جرير في شعره فقال يمدح يزيد بن عبد الملك.
  أعطوا هنيدة(٧) يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم منّ ولا سرف
  هجا سراقة البارقي بأمر بشر بن مروان لأنه فضل الفرزدق عليه
  : أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ أبو غسّان عن أبي عبيدة قال:
  بذل محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة أربعة آلاف درهم وفرسا لمن فضّل من الشعراء الفرزدق على جرير، فلم يقدم عليه أحد منهم إلا سراقة البارقيّ فإنه قال يفضل الفرزدق:
(١) أبو خبيب: هو عبد اللَّه بن الزبير، وخبيب ابنه، وبه كان يدعى.
(٢) الهبرزي: الخالص.
(٣) الألف: الملتف. والعيص: الأصل، وهو أيضا الشجر. يريد أنه من وسط العز لا من نواحيه.
(٤) العشة: الشجرة الدقيقة القضبان اللئيمة المنبت. والضواحي: البادية العيدان لا ورق عليها. وفي اللسان (مادة ضحى) بعد أن أورد هذا البيت «قال أبو منصور: أراد جرير بالضواحي في بيته قريش الظواهر، وهم الذين لا ينزلون شعب مكة وبطحاءها. أراد جرير أن عبد الملك من قريش الأباطح لا من قريش الظواهر، وقريش الأباطح أشرف وأكرم من قريش الظواهر؛ لأن البطحاويين من قريش حاضرة وهم قطان الحرم، والظواهر أعراب بادية».
(٥) الأنفاس: جمع نفس (كسبب) وهو جرعة الماء. والشيم: البارد. والقراح: الخالص. يريد أنها تعلمهم بالماء عند افتقاد اللبن.
(٦) كذا في ديوانه المخطوط ص ٢٠ والندس في الأصل: القطن الخفيف. يريد أنه دفع إليه جاما منها بعصا كانت في يده. وفي بعض الأصول: «ودحس». وفي بعضها: «ودس» وكلاهما تحريف.
(٧) هنيدة: اسم من الإبل وغيرها.