كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميل

صفحة 292 - الجزء 8

  جميل، وكان جميل صادق الصّبابة والعشق، ولم يكن كثيّر بعاشق ولكنه كان يتقوّل. وكان الناس يستحسنون بيت كثيّر في النسيب:

  أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل

  قال: ورأيت من يفضّل عليه بيت جميل:

  خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي

  / قال ابن سلَّام: وهذا البيت الذي لكثيّر أخذه من جميل حيث يقول:

  /

  أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لي ليلى على كلّ مرقب

  عرض الفرزدق لكثير بأنه سرق منه فردّ عليه بمثله

  : أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار عن محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن أبي شهاب عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال:

  لقي الفرزدق كثيّرا بقارعة البلاط⁣(⁣١) وأنا وهو نمشي نريد المسجد؛ فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، أنت أنسب العرب حين تقول:

  أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل

  يعرّض له بسرقته من جميل. فقال له كثيّر: وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:

  ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا

  - قال عبد العزيز: وهذا البيت أيضا لجميل سرقه الفرزدق - فقال الفرزدق لكثيّر: هل كانت أمّك مرّت بالبصرة؟

  قال: لا! ولكن أبي، فكان نزيلا لأمّك⁣(⁣٢). قال طلحة بن عبد اللَّه: فوالذي نفسي بيده لعجبت من كثيّر وجوابه، وما رأيت أحدا قطَّ أحمق منه، رأيتني دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنّا كثيرا ما نتهزّأ به، فقلنا: كيف تجدك يا أبا صخر؟ قال: بخير، أما سمعتم الناس يقولون شيئا؟ قلنا: نعم، يتحدّثون أنك الدجّال. فقال: واللَّه لئن قلتم ذاك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام.

  كان كثيّر يفضله على نفسه ويبدأ بإنشاد شعره

  : أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال كتب إليّ أبو محمد إسحاق بن إبراهيم يقول حدّثني أبو عبيدة عن جويرية بن أسماء قال:

  كان أبو صخر كثيّر صديقا لي، وكان يأتيني كثيرا، فقلَّما استنشدته إلَّا بدأ بجميل وأنشد له ثم أنشد لنفسه، وكان يفضّله ويتّخذه إماما.

  قال الزبير وكتب إليّ إسحاق يقول حدّثني صباح بن خاقان عن عبد اللَّه بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزّبير قال:


(١) البلاط: موضع معروف بالمدينة.

(٢) في ح: «هل كانت أمك ترد البصرة؟ قال لا، ولكن أبي كان كثيرا ما يردها».