كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميل

صفحة 316 - الجزء 8

  على

  حين ولَّى الأمر عنّا وأسمحت⁣(⁣١) ... عصا البين وانبتّ الرجاء المؤمّل

  فما هو إلَّا أن أهيم بذكرها ... ويحظى بجدواها سواي ويجذل

  وقد أبقت الأيّام منّي على العدا ... حساما إذا مسّ الصريبة يفصل

  ولست كمن إن سيم ضيما أطاعه ... ولا كامرئ إن عضّه الدهر ينكل

  لعمري لقد أبدى لي البين صفحه⁣(⁣٢) ... وبيّن لي ما شئت لو كنت أعقل

  وآخر عهدي من بثينة نظرة ... على موقف كادت من البين تقتل

  فللَّه عينا من رأى مثل حاجة ... كتمتكها والنفس منها تململ

  وإني لأستبكي إذا ذكر الهوى ... إليك وإنّي من هواك لأوجل

  نظرت ببشر نظرة ظلت أمتري ... بها عبرة والعين بالدمع تكحل

  إذا ما كررت الطَّرف نحوك ردّه ... من البعد فيّاض من الدمع يهمل⁣(⁣٣)

  ودع بثينة حين خروجه إلى الشأم

  : أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن أيّوب بن عباية قال:

  / لمّا أراد جميل الخروج إلى الشأم، هجم ليلا على بثينة وقد وجد غفلة. فقالت له: أهلكتني واللَّه وأهلكت نفسك! ويحك! أما تخاف!. فقال لها: هذا وجهي إلى الشأم، إنما جئتك مودّعا. فحادثها طويلا ثم ودّعها، وقال: يا بثينة، ما أرانا نلتقي بعد هذا، وبكيا طويلا. ثم قال لها وهو يبكي:

  ألا لا أبالي جفوة الناس ما بدا ... لنا منك رأي يا بثين جميل

  وما لم تطيعي كاشحا أو تبدّلي ... بنا بدلا أو كان منك ذهول

  وإنّي وتكراري الزيارة نحوكم ... بثين بذي هجر بثين يطول⁣(⁣٤)

  وإن صباباتي بكم لكثيرة ... بثين ونسيانيكم لقليل

  أمره مروان وأمر جواس بن قطبة بالحداء لمدحه فقالا شعرا في الفخر

  : أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثني شيوخ من عذرة:

  أنّ مروان بن الحكم خرج مسافرا في نفر من قريش ومعه جميل بن معمر وجوّاس بن قطبة أخو عبيد اللَّه بن قطبة. فقال مروان لجوّاس: انزل فارجز بنا، وهو يريد أن يمدحه. فنزل جوّاس وقال:

  يقول أميري هل تسوق ركابنا ... فقلت له حاد لهنّ سوائيا


(١) أسمحت: سهلت وذلت.

(٢) الصفح: الجانب.

(٣) في الأصول «مهمل». والذي في «كتب اللغة»: همل الدمع إذا سال.

(٤) كذا ورد هذا البيت في الأصول.