كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 354 - الجزء 8

  وما ذكرتك إلَّا هجت لي طربا ... إنّ المحبّ ببعض الأمر معذور

  ليس المحبّ بمن⁣(⁣١) إن شطَّ غيّره ... هجر الحبيب وفي الهجران تغيير

  صوت

  نام الخليّ فنوم العين تعذير⁣(⁣٢) ... مما ادّكرت وهمّ النفس مذكور

  ذكرت سلمى وما ذكري براجعها ... ودونها سبسب يهوي به المور⁣(⁣٣)

  - الشعر لزهير. والغناء في هذين البيتين لجميلة فقط رمل بالوسطى عن حبش - فحينئذ ظهر أمري وشاع ذكري، فقصدني الناس وجلست للتعليم؛ فكان الجواري يتكاوسنني⁣(⁣٤)، فربما انصرف أكثرهنّ ولم يأخذن شيئا سوى ما سمعنني أطارح لغيرهنّ، ولقد كسبت لمواليّ ما لم يخطر لهنّ ببال، وأهل ذلك كانوا وكنت.

  إجماع الناس على تقدمها في الغناء

  : وحدّثني أبو خليفة قال حدّثني ابن سلَّام قال حدّثني مسلمة بن محمد بن مسلمة الثّقفيّ قال:

  كانت جميلة ممّن لا يشكّ في فضيلتها في الغناء، ولم يدّع أحد مقاربتها⁣(⁣٥) في ذلك، وكلّ مدنيّ ومكيّ يشهد لها بالفضل.

  وصف مجلس من مجالسها غنت فيه وغنى فيه مغنو مكة والمدينة

  : قال إسحاق وحدّثني هشام بن المرّيّة المدنيّ قال حدّثني جرير المدنيّ - قال إسحاق: وكانا جميعا مغنّيين حاذقين شيخين جليلين عالمين ظريفين، وكانا قد أسنّا، فأمّا هشام فبلغ الثمانين، وأمّا جرير فلا أدري - قال جرير:

  وفد ابن سريج والغريض وسعيد بن مسجح ومسلم بن محرز المدينة لبعض من وفدوا عليه، فأجمع رأيهم على النزول على جميلة مولاة بهز، فنزلوا عليها فخرجوا يوما إلى العقيق متنزّهين، فوردوا على معبد وابن عائشة فجلسوا إليهما فتحدّثوا ساعة؛ ثم سأل معبد ابن سريج وأصحابه أن يعرضوا عليهم بعض ما ألَّفوا. فقال ابن عائشة:

  إنّ للقوم أعمالا كثيرة حسنة ولك أيضا يا أبا عبّاد، ولكن قد اجتمع علماء مكة، وأنا وأنت من أهل المدينة، فليعمل كلّ واحد منّا صوتا ساعته ثم يغنّ به. قال / معبد: يا بن عائشة، قد أعجبتك نفسك حتى بلَّغتك هذه المرتبة!. قال ابن عائشة: أو غضبت يا أبا عبّاد! إنّي لم أقل هذا وأنا أريد أن أتنقّصك فإنك لأنت المفاد منه. قال معبد: أمّا إذ قد اختلفّنا وأصحابنا المكَّيّون سكوت فلنجعل بيننا حكما. قال ابن عائشة: إنّ أصحابنا شركاء في الحكومة. قال ابن سريج: على شريطة؛ قال⁣(⁣٦): على أن يكون ما نغنّي به من الشعر ما حكَّمت فيه امرأة. قال ابن عائشة / ومعبد:


(١) في ب، س: «كمن».

(٢) تعذير: قليل. وفي ب، س: «تقرير» وهو تحريف.

(٣) المور: الغبار المتردد، وقيل: التراب تثيرة الريح.

(٤) يتكاوسنني، تريد: يتكنفنني ويتزاحمن حولي. ضمن «تكاوس» بمعنى «تكنف» فتعدّى تعديته؛ إذ الموجود في «كتب اللغة» أن التكاوس التزاحم والتراكم، فهو فعل لازم؛ يقال: تكاوس النخل والشجر والعشب إذا كثر والتف، وتكاوس النبت إذا التف وسقط بعضه على بعض.

(٥) في ح، أ: «مقارنتها» بالنون.

(٦) كلمة «قال» هنا ظاهرة الزيادة.