كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 365 - الجزء 8

  أذاعت به الأرواح⁣(⁣١) بعد أنيسها ... شهورا وأيّاما وحولا مجرّما⁣(⁣٢)

  فأصبحن⁣(⁣٣) قد غيّرن ظاهر تربه ... وغيّرت الأنواء ما كان معلما

  / وغيّرها طول التقادم والبلى ... فما أعرف الأطلال إلا توهّما

  قال⁣(⁣٤): فحدّثت أنه حضر ذلك المجلس جماعة من حذّاق أهل الغناء، فكلَّهم قال: مزامير داود!. قال ابن سريج لها: أفأسمعك صوتا لي في هذا الشعر؟ قالت: هاته؛ فغنّى:

  ديار التي قامت تريك وقد عفت ... وأقوت من الزّوّار كفّا ومعصما

  تهادى عليها حليها ذات بهجة ... وكشحا كطيّ السابريّة⁣(⁣٥) أهضما

  فبانت لطيّات⁣(⁣٦) لها وتبدّلت ... به بدلا مرّت به الطير أشؤما

  وعاذلتان هبّتا بعد هجعة ... تلومان متلافا مفيدا ملوّما

  قالت جميلة: أحسنت يا عبيد، وقد غفرّنا لك زلَّتك لحسن غنائك. قال معبد: جعلت فداءك! أفلا أسمعك أنا أيضا لحنا عملته في هذا الشعر؟ قالت: هات وإنّي لأعلم أنك تحسن. فاندفع فغنّى:

  فقلت وقد طال العتاب عليهما ... وأوعدتاني أن تبينا وتصرما

  ألا لا تلوماني على ما تقدّما ... كفى بصروف الدّهر للمرء محكما

  تلومان لما غوّر النجم ضلَّة ... فتى لا يرى الإنفاق في الحقّ مغرما⁣(⁣٧)

  قالت جميلة: ما عدوت الظنّ بك ولا تجاوزت الطريقة التي أنت عليها. قال: مالك: أفلا أغنّيك أنا أيضا؟ قالت:

  ما علمتك إلَّا تجيد الغناء وتحسن، فهات. فاندفع فغنّى في هذا الشعر:

  يضيء لنا البيت الظَّليل⁣(⁣٨) خصاصه⁣(⁣٩) ... إذا هي ليلا حاولت أن تبسّما

  / إذا انقلبت⁣(⁣١٠) فوق الحشيّة مرّة ... ترنّم وسواس الحليّ ترنّما

  ونحرا كفاثور⁣(⁣١١) اللَّجين يزينه ... توقّد ياقوت وشذر⁣(⁣١٢) منظَّما


(١) الأرواح: جمع ريح. واذاعت به الأرواح أي أذهبته وطمست معالمه، ومنه قول الراعي:

ربع قواء أذاع المعصرات به

(٢) حولا مجرّما: تاما كاملا.

(٣) رواية «الديوان»: دوارج قد غيرن إلخ.

(٤) في الأصول: «قالت».

(٥) السابرية: الثياب الرقيقة. والأهضم: اللطيف الكشح.

(٦) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «فبانت لآيات به ... إلخ».

(٧) يقع هذا البيت في «الديوان» قبل البيتين السابقين.

(٨) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «يضيء لها البيت القليل إلخ».

(٩) الخصاص: المنافذ.

(١٠) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «انصرفت» وهو تحريف.

(١١) الفاثور: الخوان الذي يتخذ من فضة، وبه يشبه الصدر الواسع.

(١٢) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «وشذرا» والسياق يقتضي أن يكون معطوفا على ياقوت. وهذا البيت في «ديوانه» بعد قوله:

«وكشحا كطيّ السابرية أهضما». والشذر: اللؤلؤ الصغير والخرز يفصل به بين الجواهر في النظم.