جميلة
  كجمر الغضى هبّت(١) به بعد هجعة ... من الليل أرواح الصّبا فتنسّما(٢)
  فقالت: جميل ما قلت وحسن ما نظمت، وإنّ صوتك يا مالك لممّا يزيد العقل قوّة والنفس طيبا والطبيعة سهولة، وما أحسب أن مجلسنا هذا إلَّا سيكون علما وفي آخر الزمان متواصفا؛ والخبر ليس كالمشاهدة، والواصف ليس كالمعاين وخاصّة في الغناء.
  زارها ابن أبي عتيق وابن أبي ربيعة والأحوص فغنّتهم
  : وحدّثني الحسن بن عتبة اللَّهبيّ قال حدّثني من رأى ابن أبي عتيق وابن أبي ربيعة والأحوص بن محمد الأنصاريّ وقد أتوا منزل جميلة فاستأذنوا عليها فأذنت لهم، فلما جلسوا سألت عمر وأحفت؛ فقال لها: إنّي قصدتك من مكة للسلام عليك. فقالت له: أهل الفضل أنت. قال: وقد أحببت أن تفرّغي لنا نفسك اليوم وتخلي لنا مجلسك؛ قالت: أفعل. قال لها الأحوص: أحبّ ألَّا تغنّي إلَّا ما أسألك. قالت: ليس المجلس لك، والقوم شركاؤك فيه. قال: أجل. قال عمر: إن ترد أن تفعل ذلك بك يكن. قال الأحوص: كلَّا!. قال عمر: فإنّي أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبي عتيق: وفّقك اللَّه. فدعت بالعود وغنّت:
  /
  تمشي الهوينى إذا مشت فضلا ... مشي النّزيف المخمور في الصّعد(٣)
  تظلّ من زور(٤) بيت جارتها ... واضعة كفّها على الكبد
  / يا من لقلب متّيم سدم ... عال رهين مكلَّم كمد(٥)
  أزجره وهو غير مزدجر ... عنها وطرفي مكحّل السّهد
  فلقد سمعت للبيت زلزلة وللدار همهمة. فقال عمر: للَّه درّك يا جميلة! ماذا أعطيت! أنت أوّل الغناء وآخره!. ثم سكتت ساعة وأخذوا في الحديث، ثم أخذت العود وغنّت:
  شطَّت سعاد وأمسى البين قد أفدا ... وأورثوك سقاما يصدع الكبدا
  لا أستطيع لها هجرا ولا ترة ... ولا تزال أحاديثي بها جددا
  - الغناء فيه لسياط خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق. ولم يذكر حبش لحن جميلة. وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم الوادي. وذكر الهشاميّ وابن خرداذبه أنه من ألحان عمر بن عبد العزيز بن مروان في سعاد(٦) وأن طريقته من الثقيل الثاني بالوسطى. وذكر إبراهيم أن لابن جامع فيه أيضا صنعة - فاستخفّ(٧) القوم أجمعين، وصفقوا بأيديهم وفحصوا بأرجلهم وحرّكوا رؤوسهم، وقالوا: نحن فداؤك من السوء ووقاؤك من المكروه، ما أحسن ما غنّيت وأجمل ما قلت!. وأحضر الغداء فتغدّى القوم بأنواع من الأطعمة الحارّة والباردة ومن الفاكهة
(١) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «له».
(٢) كذا في «ديوانه». وفي الأصول: «فتبسما» وهو تصحيف.
(٣) تمشي فضلا أي تمشي مبتذلة في ثوب واحد. والنزيف: السكران. والصعد: الصعود والارتفاع ويريد هنا المكان العالي.
(٤) الزور. مصدر كالزيارة.
(٥) السدم: الشديد العشق المهموم الحزين. والمكلم: المجرح.
(٦) راجع هذه الألحان في «ج ٨ ص ١٥٨ من الأغاني طبع بلاق».
(٧) مرجع الضمير في «استخف» الغناء المفهوم من قوله: «وغنت».