جميلة
  ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل
  قالت جميلة: أحسنت يا معبد اختيار الشعر والغناء - هذا الشعر لمعن(١) بن أوس -
  غناء ابن محرز
  : ثم قالت: هات يا بن محرز؛ فإنّي لم أؤخّرك لخساسة بك ولا جهلا بالذي يجب في الصناعة، ولكنّني رأيتك تحبّ من الأمور كلَّها أوسطها وأعدلها، فجعلتك حيث تحبّ واسطة بين / المكيّين والمدنيّين. فغنّى:
  وقفت بربع قد تحمّل أهله ... فأذريت دمعا يسبق الطَّرف هامله
  / بسائلة الرّوحاء أو بطن مثغر(٢) ... لها الضاحكات الرابيات سواهله(٣)
  هو الموت إلَّا أن للموت مدّة ... متى يلق يوما فارغا فهو شاغله
  غناء الغريض
  : فقالت جميلة: يا أبا الخطَّاب، كيف بدا لك في ثلاثة(٤) وأنت لا ترى ذلك؟! قال: أحببت أن أواسي معبدا. قال معبد: واللَّه ما عدوت ما أردت(٥). ثم قالت للغريض: هات يا مولى العبلات فاندفع يغنّي:
  فوا ندمي على الشّباب ووا ندم ... ندمت وبان اليوم منّي بغير ذم
  وإذ إخوتي حولي وإذ أنا شائخ ... وإذ لا أجيب العاذلات من الصّمم
  أرادت عرارا(٦) بالهوان ومن يرد ... عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم
  قالت جميلة: أحسن عمرو بن شأس ولم تحسن إذا أفسدت غناءك بالتعريض. واللَّه ما وضعناك إلَّا موضعك ولا نقصنا من حظَّك! فبماذا أهنّاك! ثم أقبلت على الجماعة فقالت: يا هؤلاء، اصدقوه وعرّفوه نفسه ليقنع بمكانه.
  فأقبل القوم عليه وقالوا له: قد أخطأت إن كنت عرّضت. فقال: قد كان ذلك، ولست بعائد. وقام إلى جميلة فقبّل طرف ثوبها واعتذر فقبلت عذره وقالت له: لا تعد. ثم أقبلت على ابن عائشة فقالت: يا أبا جعفر هات؛ فتغنّى بشعر النابغة(٧):
وحملك من الثقل ما يبزى له ظهرك فلا تطيق الثبات تحته والنهوض به.
(١) شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وله ترجمة في «الأغاني (ج ١٠ طبع بلاق)».
(٢) مثغر: ماء لجهينة.
(٣) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «سواحله» وكلتا الروايتين غير واضحة.
(٤) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «في ثالثة».
(٥) هكذا في الأصول: والمراد في هذه الجملة كلها غير واضح.
(٦) هو عرار بن عمرو بن شأس. وقد ورد في أكثر كتب الأدب، «كالحماسة» و «الكامل للمبرد» و «الشعر والشعراء» و «طبقات ابن سلام»، مضبوطا بالقلم بكسر العين. وضبطه شارح «القاموس» فقال: هو كسحاب. وهو ابن عمرو بن شأس من أمة له سوداء، وكان بينه وبين زوج أبيه أم حسان نزاع وخصام، فقد كانت تؤذيه وتعيره وتشتمه. وحاول عمرو أن يصلح ما بينهما فلم يفلح فطلقها.
(٧) في الأصول: «بشعر حسان» وهو خطأ، فهذا الشعر للنابغة الذبياني وليس لحسان. «(راجع» ديوان النابغة «طبع باريس و» شعراء النصرانية «، و» معجم ما استعجم «للبكري، و» معجم البلدان «لياقوت في الكلام على جولان»).