جميلة
  وقولها للثّريّا وهي باكية(١) ... والدمع منها على الخدّين ذو سنن
  باللَّه قولي له في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
  إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أصبت بترك الحجّ من ثمن
  فكلَّهم استحسن الغناء، وضجّ القوم من حسن ما سمعوا. ويقال: إنهم ما سمعوا غناء قطَّ أحسن من غنائها ذلك الصوت في ذلك اليوم. ودمعت عين عمر حتى جرى الدمع على ثيابه ولحيته. وإنه ما رئي عمر كذلك في محفل غيره(٢) قطَّ. ثم أقبلت على ابن سريج فقالت: هات؛ فاندفع يغنّي ورفع صوته بشعر عمر(٣):
  غنى ابن سريج في مجلسها بشعر عمر
  :
  أليست بالتي قالت ... لمولاة لها ظهرا
  أشيري بالسلام له ... إذا هو نحونا نظرا
  وقولي في ملاطفة ... لزينب نوّلي عمرا
  وهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرتني الخبرا
  غناء ابن مسجح
  : فسمع من ابن سريج في هذا اللَّحن من الحسن ما يقال إنه ما سمع مثله. ثم قالت لسعيد بن مسجح: هات يا أبا عثمان؛ فاندفع فغنّى:
  قد قلت قبل البين لمّا خشيته ... لتعقب ودّا أو لتعلم ما عندي
  لك الخير هل من مصدر تصدرينه(٤) ... يريح كما سهّلت لي سبل الورد
  فلمّا شكوت الحبّ صدّت كأنّما ... شكوت الذي ألقى إلى حجر صلد
  تولَّت فأبدت غلَّة دون نقعها ... كما أرصدت من بخلها إذا بدا وجدي
  غناء معبد
  : فاستحسن ذلك منه وبرع فيه. ثم قالت: يا معبد هات؛ فغنّى:
  أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس مالي إن غرمت فأعقل(٥)
  وإنّي أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك(٦) خصم أو نبابك منزل
(١) في «الديوان»: «وقولها للثريا يوم ذي خشب».
(٢) في ب، س: في محفل ولا غيره «قط» وهو تحريف.
(٣) في الأصول ما خلا ج: «ورفع صوته بشعر عمر فقال» بزيادة «فقال».
(٤) يقال: صدر هو وصدر غيره وأصدره. فالثلاثي يتعدى ويلزم.
(٥) يريد: فأعقل عنه. يقال: عقل عنه إذا غرم ما لزمه من دية. وأما عقلته فمعناه دفعت ديته. ومعنى البيت: إن أصابك غرم حبست مالي عليك واحتملت فيه الثقل عنك.
(٦) لم أحل: لم أتغير. وأبزاك خصم، يحتمل أن يكون معناه قهرك وغلبك، من أبزيت بفلان إذا بطشت به وقهرته. ويجوز أن يكون «أبزي» منقولا بالألف عن بزي يبزي بزى (كفرح). والبزى هو دخول الظهر وخروج البطن. ويكون المعنى: إن خفض منك خصم