جميلة
  وحدّثني بعض أهلنا قال قال يونس بن محمد:
  كان الأحوص معجبا بها وملازما لها فصار إليها بغلام له جميل فأخرجته خوف الفتنة ثم دعتهما دعوة خاصة وغنّتهما
  : كان الأحوص معجبا بجميلة، ولم يكن يكاد يفارق منزلها إذا جلست. فصار إليها يوما بغلام جميل الوجه يفتن من رآه، فشغل أهل المجلس، وذهبت اللحون عن / الجواري وخلطن في غنائهنّ. فأشارت جميلة إلى الأحوص أن أخرج الغلام؛ فالخلل قد عمّ مجلسي وأفسد عليّ أمري. فأبى الأحوص وتغافل، وكان بالغلام معجبا، فآثر لذّته بالنظر إلى الغلام مع السماع. ونظر الغلام إلى الوجوه الحسان من الجواري ونظرن إليه، وكان مجلسا عاما. فلما خافت عاقبة المجلس وظهور أمره أمرت بعض من حضر بإخراج الغلام فأخرج؛ وغضب الأحوص وخرج مع الغلام ولم يقل شيئا؛ فأحمد(١) أهل المجلس ما كان من جميلة، وقال لها بعضهم: هذا كان الظنّ بك، أكرمك اللَّه! فقالت: إنه واللَّه ما استأذنني في المجيء به ولا علمت به حتى رأيته في داري، ولا رأيت له وجها قبل ذلك؛ وإنه ليعزّ عليّ غضب الأحوص، ولكن الحقّ أولى، وكان ينبغي له ألَّا يعرّض نفسه وإيّاي لما نكره مثله. فلمّا تفرّق أهل المجلس بعثت إليه: الذنب لك ونحن منه برءاء؛ إذ كنت قد عرفت مذهبي؛ فلم عرّضتني للَّذي كان؛ فقد ساءني ذلك وبلغ منّي؛ ولكن لم أجد بدّا من الذي رأيت إمّا حياء وإمّا تصنّعا. فردّ عليها: ليس هذا لك بعذر إنّ لم تجعلي لي وله مجلسا نخلو فيه جميعا تمحين به ما كان منك. قالت: أفعل ذلك سرّا؛ قال الأحوص: قد رضيت. فجاءاها ليلا فأكرمتهما، ولم تظهر واحدة من جواريها على ذلك إلَّا عجائز من مواليها.
  وسألها الأحوص وأقسم عليها أن تغنّيه / من شعره:
  وبالقفر دار من جميلة هيجت ... سوالف حبّ في فؤادك منصب
  وكانت إذا تنأى نوى أو تفرّقت ... شداد الهوى لم تدر ما قول مشغب(٢)
  أسيلة مجرى الدمع خمصانة الحشا ... برود الثّنايا ذات خلق مشرعب(٣)
  / ترى العين ما تهوى وفيها زيادة ... من الحسن إذ تبدو وملهى لملعب(٤)
  قال يونس: مالها صوت أحسن منه، وابن محرز يغنّيه وعنها أخذه، وأنا أغنّيه فتعجبني نفسي ويدخلني(٥) شيء لا أعرفه من النّخوة والتّيه. وقال المحدّث لي بهذا الحديث عن يونس: إنّ هذا للأحوص في جميلة. والذي عندي أنه لطفيل الغنويّ قاله في ابن زيد الخيل، وهو زيد بن(٦) المهلهل بن المختلس بن عبد رضا أحد بني نبهان، ونبهان
(١) أي رضوا ما كان منها وصار عندهم محمودا.
(٢) كذا في أ، ء، م. والمشغب: المشاغب والعاند عن الحق. وفي ب، س: «لم تدر ما متشعب» ولعلها: «ما متشعبي» أي لم تدر مذهبي ولا أين طريق.
(٣) المشرعب: الطويل.
(٤) ألعب المرأة: جعلها تلعب أو جاءها بما تلعب به.
(٥) لعلها: «ويداخلني».
(٦) يلاحظ أن ما أورده المؤلف هنا من الأسماء في نسب زيد الخيل يخالف ما أورده في ترجمته (ج ١٦ ص ٤٧ طبع بلاق).