كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أبو دلف

صفحة 397 - الجزء 8

  أمير المؤمنين صوتا؛ فما حصر ولا تثاقل وقال: أغنّي أمير المؤمنين صوتا بعينه أو ما⁣(⁣١) اخترته؟ قال: بل غنّ صنعتك في شعر جرير:

  بان الخليط برامتين فودّعوا فغنّاه إيّاه. فقال المعتصم: أحسن! أحسن! ثلاثا، وشرب الرّطل، ولم يزل يستعيده ويشرب عليه حتى والى بين سبعة أرطال، ثم دعا بحمار فركبه، وأمر أبا دلف أن ينصرف معه، وأمرني بالانصراف معهما، فخرجت أسعى / مع ركابه، فثبّتّ في ندمائه من ذلك اليوم، وأمر لأبي دلف بعشرين ألف دينار.

  نسبة الصوت الذي غنّاه أبو دلف

  صوت

  بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلَّما اعتزموا لبين تجزع

  كيف العزاء ولم أجد مذغبتم ... قلبا يقرّ ولا شرابا ينقع

  عروضه من الكامل. الشعر لجرير، والغناء لأبي دلف ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشاميّ وعمرو بن بانة.

  ما كان من جعفر بن أبي جعفر مع حماد الراوية

  : أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:

  كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكرديّة يستخفّ مطيع بن إياس، وكان منقطعا إليه وله منه منزلة حسنة. فذكر له مطيع بن إياس حمّادا الراوية، وكان مطَّرحا مجفوّا في أيّامهم. فقال له: دعني، فإنّ دولتي كانت في بني أميّة وما لي عند هؤلاء خير. فأبى مطيع إلا الذهاب به إليه. فاستعار سوادا وسيفا؛ ثم أتاه فدخل على جعفر فسلَّم عليه وجلس. فقال له جعفر: أنشدني. فقال: لمن أيها الأمير؟ قال: لجرير. قال حماد: فسلخ اللَّه شعره أجمع من قلبي إلَّا قوله:

  بان الخليط برامتين فودّعوا فاندفعت أنشده إيّاه حتى بلغت إلى قوله:

  وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلَّا هزئت⁣(⁣٢) بغيرنا يا بوزع

  قال حمّاد فقال لي جعفر: أعد هذا البيت فأعدته؛ فقال: إيش هو بوزع؟ قلت: اسم امرأة. قال: امرأة اسمها بوزع! هو بريء من اللَّه ورسوله ومن العبّاس بن عبد المطَّلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان! تركتني واللَّه يا هذا لا أنام الليل من فزع بوزع! يا غلمان، قفاه. قال: فصفعت واللَّه حتى لم أدر أين أنا. ثم قال: جرّوا برجله، فجرّوا برجلي


(١) في «الأصول»: «بعينه وما أخترته».

(٢) كذا في «النقائض». وفي «الأصول»: «هذيت» بالذال المعجمة.