العباس بن الأحنف
  فقال لي ابتداء: أيما أشعر عندك: العباس بن الأحنف أو أبو العتاهية؟ فعلمت الذي يريد، فأطرقت كأني مستثبت ثم قلت: أبو العتاهية أشعر. قال: أنشدني لهذا ولهذا؛ قلت: فبأيّهما أبدأ؟ قال: بالعباس. قال: فأنشدته أجود / ما أرويه للعبّاس، وهو قوله:
  أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
  فقال لي: أحسن، فأنشدني لأبي العتاهية، فأنشدته أضعف ما أقدر عليه، وهو قوله:
  كأنّ عتّابة من حسنها ... دمية قسّ فتنت قسّها
  يا ربّ لو أنسيتنيها بما ... في جنّة الفردوس لم أنسها
  إني إذا مثل التي لم تزل ... دائبة في طحنها كدسها(١)
  حتى إذا لم يبق منها سوى ... حفنة برّ قتلت نفسها
  قال: أتعيّره(٢) هذا! فأين أنت عن قوله:
  قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا
  فتنفّست ثم قلت نعم حبّ ... أجرى في العروق عرقا فعرقا
  / ويحك! أتعرف لأحد مثل هذا، أو تعرف أحدا سبقه إلى قوله: «فتنفّست ثم قلت كذا وكذا»! اذهب ويحك فاحفظها؛ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ولو كنت سمعت بها لحفظتها. قال إسحاق: وما أشكّ إني كنت أحفظ لها حينئذ من أبي العتاهية، ولكنّي إنما أنشدت ما أنشدت تعصّبا.
  صحب الرشيد إلى خراسان وعرّض للرجوع بشعر فاذن له
  : قال محمد بن يزيد:
  وحدّثت من غير وجه أنّ الرشيد ألف العباس بن الأحنف؛ فلما خرج إلى خراسان طال مقامه بها، ثم خرج إلى أرمينية والعباس معه ماشيا إلى بغداد، فعارضه في طريقه فأنشده:
  قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ... ثم القفول فقد جئنا خراسانا
  ما أقدر اللَّه أن يدني على شحط ... سكان دجلة من سكَّان جيحان(٣)
  متى الذي كنت أرجوه وآمله ... أمّا الذي كنت أخشاه فقد كانا
  عين الزمان أصابتنا فلا نظرت ... وعذّبت بصنوف الهجر ألوانا
  - في هذين البيتين الأخيرين رمل بالوسطى ينسب إلى مخارق وإلى غيره - قال فقال له الرشيد: قد اشتقت يا عبّاس وأذنت لك خاصة، وأمر له بثلاثين ألف درهم.
(١) التكدس: العرمة من الطعام والتمر والدراهم ونحو ذلك.
(٢) في الأصول «أتعيره بهذا». وهي لغة رديئة.
(٣) جيحان: اسم نهر.