كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسبه وأخباره

صفحة 511 - الجزء 8

  فربّ نصيح الجيب ردّ انتصاحه ... عليه بلا ذنب وعوجل بالشّتم⁣(⁣١)

  فقال له حارثة: لقد قلت فأحسنت، ونصحت فبالغت⁣(⁣٢)، جزيت الخير أبا زنيم⁣(⁣٣). فلما رجع إلى منزله، أتاه ندماؤه فذكر لهم ما قال ابن زنيم، فقالوا: واللَّه ما نرى ذلك إلا حسدا⁣(⁣٤). ثم قال حارثة بن بدر لابن زنيم:

  يعيب عليّ الرّاح من لو يذوقها ... لجنّ بها حتى يغيّب في القبر

  فدعها⁣(⁣٥) أو امدحها فإنّا نحبّها ... صراحا كما أغراك ربّك بالهجر⁣(⁣٦)

  علام تذمّ الرّاح والرّاح كاسمها ... تريح الفتى من همّه آخر الدّهر

  فلمني فإن اللَّوم فيها يزيدني ... غراما بها إن الملامة قد تغرى

  وباللَّه أولي صادقا لو شربتها ... لأقصرت عن عذلي وملت إلى عذري⁣(⁣٧)

  / وإن شئت⁣(⁣٨) جرّبها وذقها عتيقة ... لها أرج كالمسك محمودة الخبر

  فإن أنت لم تخلع عذارك فالحني ... وقل لي لحاك اللَّه من عاجز غمر

  وقبلك ما قد لامني في اصطباحها ... وفي شربها⁣(⁣٩) بدر فأعرضت عن بدر

  وحاسيتها قوما⁣(⁣١٠) كأنّ وجوههم ... دنانير في الَّلأواء والزّمن النّكر

  فدعني من التّعذل فيها فإنني ... خلقت أبيّا لا ألين على القسر

  أجود وأعطي المنفسات تبرّعا ... وأغلي بها عند اليسارة والعسر

  وأشربها حتى أخرّ مجدّلا ... معتّقة صهباء طيّبة النّشر

  ولولا النّهى لم أصح ما عشت ساعة ... ولكنني نهنهت نفسي عن الهجر

  فقصّرت عنها بعد طول لجاجة ... وحبّ لها في سرّ أمري وفي الهجر⁣(⁣١١)

  وحقّ لمثلي أن يكفّ عن الخنى ... ويقصر عن بعض الغواية والنّكر⁣(⁣١٢)

  هو وابن زياد في خراج نيسابور

  : أخبرني الحسين⁣(⁣١٣) بن يحيى، عن حمّاد عن أبيه، عن أبي عبيدة:

  أن عبيد اللَّه بن زياد استعمل حارثة بن بدر على نيسابور⁣(⁣١٤) فغاب عنه أشهرا، ثم قدم فدخل عليه، فقال له: ما جاء بك ولم أكتب إليك؟ قال: استنظفت خراجك⁣(⁣١٥) وجئت به وليس لي [بها]⁣(⁣١٦) عمل، فما مقامي؟ قال: أو بذلك


(١) نصيح الجيب: أمين.

(٢) س: «فما بلغت».

(٣) أ: «يا زنيم».

(٤) أ، ب: «فقالوا: ما أراد إلَّا تبكيتك. قال: وأنا واللَّه أرى ذلك».

(٥) أ، ب: «فعبها».

(٦) صراح، بضم الصاد: صرفة غير ممزوجة.

(٧) أولى صادقا: أحلف صادقا.

(٨) أ، ب: «فإن شئت».

(٩) أ، ب: «وفي إدمانها».

(١٠) وحاسيتها قوما: شربتها معهم.

(١١) أ: «في سر أمري والجهر».

(١٢) أ، ب: «والسكر».

(١٣) ب: «الحسن».

(١٤) ب: «هل جند نيسابور».

(١٥) استنطفت خراجك: استوفيته.

(١٦) تكملة من أ، ب.