كثير عزة
  كما ذكرت؟ قال كثيّر: يا أمير المؤمنين، لو سألتني بحقّك لصدقتك. قال: لا أسألك إلَّا بحقّ أبي تراب(١). فحلف له به فرضي.
  تمثل عبد الملك بشعر له حين منعته عاتكة من الخروج لحرب مصعب وحديثه معه عن هذه الحرب:
  أخبرنا الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال أخبرني عثمان بن عبد الرحمن، وأخبرنا محمد بن جعفر النحويّ قال حدّثنا محمد بن يزيد المبرّد قال، وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالا حدّثنا عمر بن شبة، وأخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا المؤمّلي عن ابن أبي عبيدة، قالوا جميعا.
  لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب لاذت به عاتكة بنت يزيد بن معاوية وهي أمّ ابنه يزيد، وقالت: يا أمير المؤمنين، لا تخرج السنة لحرب مصعب، فإنّ آل الزّبير ذكروا خروجك، وابعث إليه الجيوش، وبكت وبكى جواريها معها. وجلس وقال: قاتل اللَّه ابن أبي جمعة! فأين قوله:
  صوت
  إذا ما أراد الغزو لم تثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها
  نهته فلما لم تر النّهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها(٢)
  - غنّاه ابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق - واللَّه لكأنه / يراني ويراك يا عاتكة، ثم خرج.
  قال محمد بن جعفر النحويّ في خبره - ووافقه عليه عمر بن شبّة -: فلما خرج عبد الملك نظر إلى كثيّر في ناحية عسكره يسير مطرقا، فدعا به وقال: لأعلم ما أسكتك وألقى عليك بثّك، فإن أخبرتك عنه أتصدقني؟ قال نعم! قال:
  قل وحقّ أبي تراب لتصدقنّي، قال: واللَّه لأصدقنّك. قال: لا أو تحلف به، فحلف به. فقال تقول: رجلان من قريش يلقي أحدهما صاحبه فيحاربه، القاتل والمقتول في النار، فما معنى سيرى مع أحدهما إلى الآخر ولا آمن سهما عائرا لعلَّه أن يصيبني فيقتلني فأكون معهما! قال: واللَّه يا أمير المؤمنين / ما أخطأت. قال: فارجع من قريب، وأمر له بجائزة.
  بكى لقتل آل المهلب فزجره يزيد وضحك منه:
  أخبرنا وكيع قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثنا أبو تمّام الطائيّ حبيب بن أوس قال حدّثني العطَّاف بن هارون عن يحيى بن حمزة قاضي دمشق قال حدّثني حفص الأمويّ قال:
  كنت أختلف إلى كثيّر أتروّى شعره. قال: فو اللَّه إني لعنده يوما إذ وقف عليه واقف فقال: قتل آل المهلَّب
(١) أبو تراب: لقب عليّ بن أبي طالب #، لقبه بذلك النبي ﷺ، وذلك أن عليا دخل على فاطمة ® ثم خرج فاضطجع في المسجد. فقال النبي ﷺ: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد. فخرج إليه ﷺ فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره؛ فجعل عليه الصلاة والسلام يمسح التراب عن ظهره ويقول له: أجلس يا أبا تراب (مرتين). (عن «شرح القسطلاني على صحيح البخاري» ج ٦ ص ١٣٨).
(٢) القطين: الخدم والأتباع والحشم.