كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

كثير عزة

صفحة 18 - الجزء 9

  بالعقر⁣(⁣١). فقال: ما أجلّ الخطب! ضحّى آل أبي سفيان بالدّين⁣(⁣٢) يوم الطَّفّ، وضحّى بنو مروان بالكرم يوم العقر! ثم انتضحت عيناه باكيا. فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به. فلما دخل عليه قال: عليك لعنة اللَّه! أترابيّة⁣(⁣٣) وعصبيّة! وجعل يضحك منه.

  سأله عبد الملك عن أشعر الناس فأجابه:

  أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد عن أبيه قال:

  قال عبد الملك بن مروان لكثيّر: من أشعر الناس اليوم يا أبا صخر؟ قال: من يروي أمير المؤمنين شعره.

  فقال عبد الملك: أما إنّك لمنهم.

  جواب عبد الملك له وقد سأله عن شعره:

  أخبرنا وكيع قال حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن ابن أبي⁣(⁣٤) عوف عن عوانة قال:

  قال كثيّر لعبد الملك: كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين؟ قال أراه يسبق السحر، ويغلب الشعر.

  كان عبد الملك يروي أولاده شعره:

  أخبرنا عمّي عن الكرانيّ عن النّضر بن عمر قال:

  كان عبد الملك بن مروان يخرج شعر كثيّر إلى مؤدّب ولده مختوما يروّيهم إياه ويرده.

  نزل مرعي لإبله فضيق عليه أهله فذم جوارهم:

  أخبرنا الحرميّ قال أخبرنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللَّه بن خالد الجهنيّ:

  أن كثيّرا شبّ في حجر عمّ له صالح، فلما بلغ الحلم أشفق عليه أن يسفه، وكان غير جيّد الرأي ولا حسن النظر في عواقب الأمور. فاشترى له عمّه قطيعا من الإبل وأنزله فرش⁣(⁣٥) ملل فكان به، ثم ارتفع فنزل فرع المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من جبل جهينة الأصغر، وكان قبل المسور لبني مالك بن أفصى، فضيّقوا على كثيّر وأساؤا جواره، فانتقل عنهم وقال:


(١) هو عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة قتل عنده يزيد بن المهلب بن أبي صفرة سنة ١٠٢، وكان خلع طاعة بني مروان ودعا إلى نفسه وأطاعه أهل البصرة والأهواز وواسط وخرج في مائة وعشرين ألفا. فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فوافقه بالعقر من أرض بابل فأجلت الحرب عن قتله. (عن «معجم البلدان» لياقوت).

(٢) كذا في «وفيات الأعيان» لابن خلكان (ج ١ ص ٦١٨). وفي الأصول: «بالدمن» وهو تحريف. والطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية، فيها كان مقتل الحسين بن علي ¥.

(٣) يعني أنه من شيعة أبي تراب، وهو لقب علي بن أبي طالب كما أسلفنا.

(٤) في ج: «عن أبي عوف عن عوانة».

(٥) في الأصول: «فرش مالك». والتصويب عن «القاموس» و «شرحه». وفرش ملل: واد بين عميس الحمائم وصخيرات الثمامة بالقرب من ملل قرب المدينة، يقال له الفرش وفرش ملل، أضيف إلى ملل لقربه منه. وهذه كلها مواضع نزلها رسول اللَّه حين مسيره إلى بدر. راجع «القاموس وشرحه» مادة فرش و «معجم البلدان» لياقوت في الكلام عن فرش).