كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

كثير عزة

صفحة 28 - الجزء 9

  مات عكرمة وكثيّر عزّة في يوم واحد، فأخرجت جنازتاهما، فما علمت تخلَّفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما. قال: وقيل مات اليوم أشعر الناس وأعلم الناس. قال: وغلب النساء على جنازة كثيّر يبكينه ويذكرن عزّة في ندبتهنّ له. قال: فقال أبو جعفر محمد⁣(⁣١) بن عليّ: أفرجوا لي عن جنازة كثيّر لأرفعها. قال: فجعلنا ندفع عنها النساء وجعل يضربهنّ محمد بن عليّ بكمّه ويقول: تنحّين يا صواحبات يوسف. فانتدبت له امرأة منهنّ فقالت:

  يا بن رسول اللَّه لقد صدقت، إنّا لصواحبات يوسف وقد كنّا له خيرا منكم له. قال: فقال أبو جعفر لبعض مواليه:

  احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا. قال: فلما انصرف أتي بتلك المرأة كأنها شرارة النار. فقال لها محمد بن عليّ: أنت القائلة إنّكن ليوسف خير منّا؟ قال: نعم! تؤمنني غضبك يا بن رسول اللَّه؟ قال: أنت آمنة من غضبي فأبيني. قالت: نحن يا بن رسول اللَّه دعوناه إلى اللذّات من المطعم / والمشرب والتمتّع والتنعّم، وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجبّ وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السّجن. فأيّنا كان عليه أحنى وبه⁣(⁣٢) أرأف؟! فقال محمد: للَّه درّك! ولن تغالب امرأة إلَّا غلبت. ثم قال لها: ألك بعل؟ قالت: لي من الرجال من أنا بعله. قال: فقال أبو جعفر: صدقت، مثلك من تملك بعلها ولا يملكها. قال: فلما انصرفت قال رجل من القوم: هذه زينب بنت معيقب⁣(⁣٣).

  نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء:

  صوت

  نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين أن شبّت وبان نهودها

  نظرت إليها نظرة ما يسّرني ... بها حمر أنعام البلاد وسودها

  وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

  من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

  عروضه من الطويل. البيت الأول لكثيّر، والثاني والثالث لنصيب من قصيدته التي أوّلها:

  لقد هجرت سعدى وطال صدودها غنّى في البيت الثاني والثالث جحدر الراعي خفيف رمل بالبنصر. وغنّى فيهما الهذليّ رملا بالوسطى. وغنّى في الثالث والرابع دعامة ثقيلا أوّل بالبنصر.

  عمر الوادي يأخذ صوتا عن راعي غنم في شعر له:

  أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: قال عمر الواديّ، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني مكين العذريّ قال:

  / سمعت عمر الواديّ يقول: بينا أنا أسير بين الرّوحاء والعرج إذ سمعت إنسانا يغنّي غناء لم أسمع / قطَّ مثله في بيتي كثيّر:


(١) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر المدني المعروف بالباقر توفي سنة ١١٤ هـ.

(٢) في الأصول: «فأينا كان به أحنى وعليه أرأف». والتصويب عن «تجريد الأغاني».

(٣) في ج: «معيقيب».