كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأرمال الثلاثة المختارة

صفحة 45 - الجزء 9

  نسبة الأصوات وأخبارها:

  صوت

  الصوت الأوّل من هذه الأرمال في شعر ابن أبي ربيعة:

  فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفلتن ذا هوى

  فكم من قتيل ما يباء⁣(⁣١) به دم ... ومن غلق رهنا إذا لفّه منى

  ومن مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى

  يسحّبن أذيال المروط بأسوق⁣(⁣٢) ... خدال وأعجاز مآكمها⁣(⁣٣) روا

  عروضه من الطويل. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن سريج رمل بالبنصر. وقد كان علَّويه فيما بلغنا صنع فيه رملا، وفي «أفاطم مهلا» خفيف رمل، وفي «لعلَّك إن طالت حياتك» رملا آخر، ولم يصنع شيئا وسقطت ألحانه فيها فما تكاد تعرف. وهذه الأبيات يقولها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم.

  ابن أبي ربيعة وأم عمرو بنت مروان:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثنا ابن كناسة عن أبي بكر بن عيّاش قال:

  حجّت أمّ عمرو بنت مروان، فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نساء معها، فحادثته ثم انصرفت، وعادت إليه منصرفها من عرفات وقد أثبتها. فقالت له: لا تذكرني في شعرك، وبعثت إليه بألف دينار. فقبلها واشترى بها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا فأهداه إليها فردّته. فقال: إذا واللَّه أنهبه الناس فيكون مشهورا؛ فقبلته. وقال فيها:

  أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا

  من يكن قلبه الغداة خليّا ... ففؤادي بالخيف أمسى مطارا

  ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كلّ يومين حجّة واعتمارا

  قال ابن كناسة قال ابن عيّاش: فلما وجّهت منصرفة قال فيها:

  فكم من قتيل ما يباء به دم ... ومن غلق رهنا إذا لفّه منى

  / قال: ويروى «ومن غلق رهن» كأنه قال ومن رهن غلق؛ لا يجعل من نعت الرهن. كأنه جعل الإنسان غلقا وجعله رهنا؛ كما يقال: كم من عاشق مدنف، ومن كلف صبّ.

  قال الزّبير وحدّثني مسلم بن عبد اللَّه بن مسلم بن جندب عن أبيه قال: أنشده ابن أبي عتيق فقال: إن في نفس الجمل ما ليس في نفس الجمّال.


(١) أباء فلان القتيل بالقاتل: قتله به. يريد: كم من قتيل يطل دمه ولا يؤخذ له بثأر. وغلق الرهن في يد المرتهن يغلق غلقا. لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. يريد: كم من قلوب أسيرة لا يقدر أصحابها على افتكاكها.

(٢) الأسؤق: جمع ساق. والخدال: الممتلئة.

(٣) المأكمة: العجيزة.