الأرمال الثلاثة المختارة
  قال: وقال عبد اللَّه بن عمر، وقد أنشده عمر بن أبي ربيعة شعره هذا: يا بن أخي! أما اتّقيت اللَّه حيث تقول:
  ليت ذا الدهر كان حتما علينا ... كلّ يومين حجّة واعتمارا
  فقال له عمر بن أبي ربيعة: بأبي أنت وأمي! إني وضعت ليتا حيث لا تغنى.
  أمر عمر بن عبد العزيز بنفيه ثم خلاه لما تاب:
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه، وأخبرني عليّ بن عبد العزيز عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن إسحاق، وأخبرني ببعض هذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثنا مصعب بن عثمان:
  أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة لم تكن له همة إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص. فكتب إلى عامله على المدينة: «قد عرفت عمر والأحوص بالخبث والشرّ. فإذا أتاك كتابي هذا فاشددهما واحملهما إليّ». فلما أتاه الكتاب حملهما إليه. فأقبل على عمر فقال له هيه!
  فلم أر كالتّجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحجّ أفلتن ذا هوى
  وكم ماليء عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى
  فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون! أما واللَّه لو اهتممت بأمر حجّك لم تنظر إلى شيء غيرك! ثم أمر بنفيه. فقال: يا أمير المؤمنين، أو خير من ذلك؟ قال: وما هو؟ قال: أعاهد اللَّه ألَّا أعود إلى مثل هذا الشعر ولا أذكر النساء في شعر أبدا وأجدّد توبة على يديك. قال: أو تفعل؟ قال نعم. فعاهد اللَّه على توبة وخلَّاه. ثم دعا بالأحوص فقال هيه!
  نفى الأحوص ولم يطلقه إلا يزيد بن عبد الملك:
  اللَّه بيني وبين قيّمها ... يهرب منّي بها وأتّبع
  با اللَّه بين قيّمها وبينك! ثم أمر بنفيه إلى بيش(١)، وقيل إلى دهلك وهو الصحيح، فنفي إليها، فلم يزل بها. فرحل إلى عمر عدّة من الأنصار فكلَّموه في أمره وسألوه أن يقدمه وقالوا له: قد عرفت نسبه وقدمه وموضعه وقد أخرج إلى بلاد / الشرك، فنطلب إليك أن تردّه إلى حرم رسول اللَّه ﷺ ودار قومه. فقال لهم عمر: من الذي يقول:
  فما هو إلَّا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أحير
  - وفي رواية الزبير «أجيب» مكان «أخير» - قالوا: الأحوص(٢). قال: فمن الذي يقول:
  أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
  وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزرو
  قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:
(١) بيش: من بلاد اليمن قرب دهلك. ودهلك جزيرة في بحر اليمن، مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيقة حرجة حارة وهي تجاه مصوع. وكان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها. (عن «معجم البلدان» لياقوت).
(٢) نسب هذا البيت لعروة بن حزام. (انظره في ترجمته ج ٢٠ ص ١٥٦ من «الأغاني» طبع بلاق).