كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب عمرو بن سعيد بن زيد وأخباره

صفحة 93 - الجزء 9

  لأن اللَّه علَّقه فؤادي ... فحاز الحبّ دونكم الحبيب

  / فقال الأحوص:

  خليلي لا تلمها في هواها ... ألذّ العيش ما تهوى القلوب

  قال: فأضرب عنها ابن حسّان وخرج ممتدحا ليزيد بن معاوية فأكرمه وأعطاه. فلما أراد الانصراف قال له: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة. قال: وما هي؟ جارية خلَّفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم وأعقلهم ولا تصلح أن تكون إلَّا لأمير المؤمنين وفي سمّاره: فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه؛ فوقعت منه موقعا عظيما وفضّلها على جميع من عنده. وقدم عبد الرحمن المدينة فمرّ بالأحوص وهو قاعد على باب داره وهو مهموم، فأراد أن يزيده إلى ما به فقال:

  يا مبتلى بالحب مفدوحا ... لاقى من الحبّ تباريحا

  ألجمه الحبّ فما ينثني ... إلَّا بكأس الشوق مصبوحا

  وصار ما يعجبه مغلقا ... عنه وما يكره مفتوحا

  / قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشّمّ والرّيحا

  خليفة اللَّه فسلّ الهوى ... وعزّ قلبا منك مجروحا

  فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم إن شابّين من بني أميّة أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتابا ففعلا. فكتب إليها معهما:

  سلام ذكرك ملصق بلساني ... وعلى هواك تعودني أحزاني

  مالي رأيتك في المنام مطيعة ... وإذا انتبهت لججت في العصيان

  أبدا محبّك ممسك بفؤاده ... يخشى اللَّجاجة منك في الهجران

  إن كنت عاتبة فإنّي معتب ... بعد الإساءة فاقبلي إحساني

  لا تقتلي رجلا يراك لما به ... مثل الشراب لغلَّة الظمآن

  ولقد أقول لقاطنين من أهلنا ... كانا على خلقي من الإخوان

  يا صاحبيّ على فؤادي جمرة ... وبرى الهوى جسمي كما تريان

  أمرقّيان⁣(⁣١) إلى سلامة أنتما ... ما قد لقيت بها وتحتسبان

  لا أستطيع الصبر عنها إنها ... من مهجتي نزلت بكلّ مكان

  قال: ثم غلبه جزعه فخرج إلى يزيد ممتدحا له. فلما قدم عليه قرّبه وأكرمه وبلغ لديه كلّ مبلغ. فدسّت إليه سلامة خادما وأعطته مالا على أن يدخله إليها. فأخبر الخادم يزيد بذلك؛ فقال: امض برسالتها. ففعل ما أمره به وأدخل الأحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما. فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له


(١) أمرقيان إلى سلامة أي أرافعان إليها.