كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

- صوت من أصوات معبد المعروفة بالمدن

صفحة 107 - الجزء 9

  يوم عين محلم:

  قال أبو عبيدة: وكان من حديث ذلك اليوم، كما زعم عمر بن هلال أحد بني سعد بن قيس بن ثعلبة، أن يزيد بن مسهر كان خالع أصرم بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن قيس بن ثعلبة، وكان عوف أبو بني الأصرم يقال له الأعجف والضّيعة له وهي قرية باليمامة. فلما خلع يزيد أصرم من ماله خالعه على أن يرهنه ابنيه أفلت وشهابا ابني أصرم، وأمّهما فطيمة بنت شرحبيل بن عوسجة بن ثعلبة بن سعد بن قيس، وأن يزيد قمر أصرم فطلب أن يدفع إليه ابنيه رهينة، فأبت أمّهما وأبى يزيد إلَّا أخذهما. فنادت قومها، فحضر الناس للحرب، فاشتملت فطيمة على ابنيها بثوبها، وفكّ قومها عنها وعنهما. فذلك قول الأعشى:

  نحن الفوارس يوم العين ضاحية ... جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل⁣(⁣١)

  قال: فانهزمت بنو شيبان، فحذر الأعشى أن يلقى مسهر مثل تلك الحال.

  قال أبو عبيدة: وذكر عامر ومسمع عن قتادة الفقيه أن رجلين من بني مروان تنازعا في هذا الحديث، فجرّدا رسولا في ذلك إلى العراق حتى قدم إلى الكوفة فسأل فأخبر أنّ فطيمة من بني سعد بن قيس كانت عند رجل من بني شيبان، وكانت له / زوجة أخرى من بني شيبان، فتعايرتا فعمدت الشّيبانيّة فحلَّت ذوائب فطيمة، فاهتاج الحيّان فاقتتلوا، فهزمت بنو شيبان يومئذ.

  مسحل رئي الأعشى:

  أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أحمد بن محمد القصير قال حدّثنا محمد بن صالح قال حدّثني أبو اليقظان قال حدّثني جويرية عن يشكر بن وائل اليشكريّ، وكان من علماء بكر بن وائل وولد أيام مسيلمة فجيء به إليه فمسح على رأسه فعمي، قال جويرية فحدّثني يشكر هذا قال حدّثني جرير بن عبد اللَّه البجليّ قال:

  سافرت في الجاهليّة فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه، فجعلت أريده على أن يتقدّم فو اللَّه ما يتقدّم، فتقدّمت / فدنوت من الماء وعقلته، ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوّهون عند الماء فقعدت. فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشدّ تشويها منهم فقالوا: هذا شاعرهم. فقالوا له: يا فلان أنشد هذا فإنه ضيف؛ فأنشد:

  ودّع هريرة إن الركب مرتحل

  فلا واللَّه ما خرم منها بيتا واحدا حتى انتهى إلى هذا البيت.

  تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل

  فأعجب به. فقلت: من يقول هذه القصيدة؟ قال: أنا. قلت: لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عام أوّل بنجران. قال: فإنك صادق، أنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه، ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس:


(١) ضاحية: علانية. والميل: جمع أميل وهو الذي لا يثبت في الحرب مثل أبيض وبيض. والعزل: جمع أعزل، وحركت زايه للشعر.