ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  أول عشيقه لبني ثم زواجه بها:
  أخبرنا بخبر قيس ولبنى امرأته جماعة من مشايخنا في قصص متّصلة ومنقطة وأخبار منثورة ومنظومة، فألَّفت ذلك أجمع ليتّسق حديثه إلَّا ما جاء مفردا وعسر إخراجه عن جملة النظم فذكرته على حدة. فممّن أخبرنا بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة ولم يتجاوزه إلى غيره، وإبراهيم بن محمد بن أيّوب عن ابن قتيبة، والحسن بن عليّ عن محمد بن موسى بن حمّاد البربريّ عن أحمد بن القاسم بن يوسف عن جزء بن قطن عن جسّاس بن محمد عن محمد بن أبي السّريّ عن هشام بن الكلبيّ وعلى روايته أكثر المعوّل. ونسخت أيضا من أخباره المنظومة أشياء ذكرها القحذميّ عن رجاله، وخالد بن كلثوم عن نفسه ومن روى عنه، وخالد بن جمل ونتفا حكاها اليوسفيّ صاحب الرسائل عن أبيه عن أحمد بن حمّاد عن جميل عن ابن أبي جناح الكعبيّ. وحكيت كلّ متّفق فيه متصلا، وكل مختلف في معانيه منسوبا إلى راويه. قالوا جميعا:
  كان منزل / قومه في ظاهر المدينة، وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة. وذكر خالد بن كلثوم أن منزله كان يسرف(١)، واحتجّ بقوله:
  الحمد للَّه قد أمست مجاورة ... أهل العقيق وأمسينا على سرف
  قالوا: فمرّ قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة، فوقف على خيمة منها والحيّ خلوف(٢) والخيمة خيمة لبنى بنت الحباب الكعبيّة، فاستسقى ماء، فسقته وخرجت / إليه به، وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء(٣) حلوة المنظر والكلام. فلما رآها وقعت في نفسه، وشرب الماء. فقالت له: أتنزل فتتبرّد عندنا؟ قال: نعم. فنزل بهم. وجاء أبوها فنحر له وأكرمه. فانصرف قيس وفي قلبه من لبنى حرّ لا يطفأ، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي. ثم أتاها يوما آخر وقد اشتدّ وجده بها، فسلَّم فظهرت له وردّت سلامه وتحفّت به؛ فشكا إليها ما يجد بها وما يلقى من حبّها، وشكت إليه مثل ذلك فأطالت؛ وعرف كلّ واحد منهما ما له عند صاحبه. فانصرف إلى أبيه وأعلمه حاله وسأله أن يزوّجه إياها. فأبى عليه وقال: يا بنيّ، عليك بإحدى بنات عمّك فهنّ أحقّ بك. وكان ذريح كثير المال موسرا، فأحبّ ألَّا يخرج ابنه إلى غريبة. فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه أبوه به. فأتى أمّه فشكا ذلك إليها واستعان بها على أبيه، فلم يجد عندها ما يحبّ. فأتى الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن أبي عتيق فشكا إليهما ما به وما ردّ عليه أبوه. فقال له الحسين: أنا أكفيك. فمشى معه إلى أبي لبنى. فلما بصر به أعظمه ووثب إليه، وقال له: يا بن رسول اللَّه، ما جاء بك؟ ألا بعثت إليّ فأتيتك! قال: إن الذي جئت فيه يوجب قصدك وقد جئتك خاطبا ابنتك لبنى لقيس بن ذريح. فقال: يا بن رسول اللَّه، ما كنّا لنعصي لك أمرا وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحبّ الأمر إلينا أن يخطبها ذريح أبوه علينا وأن يكون ذلك عن أمره، فإنّا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارا وسبّة علينا. فأتى الحسين ¥ ذريحا وقومه وهم مجتمعون، فقاموا إليه إعظاما له وقالوا له مثل قول الخزّاعيّين. فقال لذريح: أقسمت عليك إلَّا خطبت لبنى لابنك قيس. قال: السمع والطاعة لأمرك. فخرج معه في وجوه من قومه حتى أتوا لبنى فخطبها / ذريح على ابنه إلى أبيها فزوّجه إيّاها، وزفّت إليه بعد ذلك.
(١) سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
(٢) خلوف: غيب.
(٣) الشهلاء: التي يخالط سواد عينيها زرقة.