كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره

صفحة 136 - الجزء 9

  لبينى زوجها أصب ... ح لا حرّ بواديه⁣(⁣١)

  له فضل على الناس ... بما باتت تناجيه

  وقيس ميّت حيّ ... صريع في بواكيه

  فلا يبعده اللَّه ... وبعدا لنواعيه

  قال: فجزع قيس جزعا شديدا وجعل ينشج أحرّ نشيج ويبكي أحرّ بكاء. ثم ركب من فوره حتى أتى محلَّة قومها، فناداه النساء: ما تصنع الآن ها هنا! قد نقلت لبنى إلى زوجها!. وجعل الفتيان يعارضونه بهذه المقالة وما أشبهها وهو لا يجيبهم حتى أتى موضع خبائها فنزل عن راحلته وجعل يتمعّك⁣(⁣٢) في موضعها ويمرّغ خدّه على ترابها ويبكي أحرّ بكاء. ثم قال:

  صوت

  إلى اللَّه أشكو فقد لبنى كما شكا ... إلى اللَّه فقد الوالدين يتيم

  يتيم جفاه الأقربون فجسمه ... نحيل وعهد الوالدين قديم

  بكت دارهم من نأيهم فتهلَّلت ... دموعي فأيّ الجازعين ألوم

  أمستعبرا يبكي من الشوق والهوى ... أمّ آخر يبكي شجوه ويهيم

  / لابن جامع في البيتين الأولين ثقيل أوّل بالوسطى عن الهشاميّ. ولعريب فيهما ثاني ثقيل. وفي الثالث والرابع لميّاسة خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وحبش والهشاميّ وتمام هذه الأبيات، وليست فيها صنعة، قوله:

  تهيّضني من حبّ لبنى علائق ... وأصناف حبّ هولهن عظيم

  ومن يتعلَّق حبّ لبنى فؤاده ... يمت أو يعش ما عاش وهو كليم

  فإنّي وإن أجمعت عنك تجلَّدا ... على العهد فيما بيننا لمقيم

  وإنّ زمانا شتّت الشمل بيننا ... وبينكم فيه العدا لمشوم

  أفي الحقّ هذا أنّ قلبك فارغ ... صحيح وقلبي في هواك سقيم

  وقد قيل: إن هذه الأبيات ليست لقيس وإنما خلطت بشعره، ولكنّها في هذه الرواية منسوبة إليه.

  قال: وقال أيضا في رحيل لبنى عن وطنها وانتقالها إلى زوجها بالمدينة وهو مقيم في حيّها:

  صوت

  بانت لبينى فهاج القلب من بانا⁣(⁣٣) ... وكان ما وعدت مطلا⁣(⁣٤) وليّانا


(١) في تزيين الأسواق (ج ١ ص ٥٦ طبع بلاق): «يوازيه».

(٢) يمتعك: يتمرّغ.

(٣) في ج: «بانت لبينى فقلبي اليوم من بانا».

(٤) ليان ومثله ليّ (بفتح اللام فيهما وكسرها): مصدر لوى بمعنى مطل. تقول لواه دينه وبدينه. وقال أبو الهيثم: لم يجيء من المصادر على فعلان إلَّا ليان. وعن ابن زيد أن كسر اللام في هذا المصدر لغية.