كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره

صفحة 143 - الجزء 9

  غنّى الحسين بن محرز في البيت الأوّل والبيت الخامس من هذه القصيدة ثقيلا أوّل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من روايتي بذل والهشاميّ.

  أنب لبنى زوجها لافتضاح أمره بشعر قيس فغضبت:

  حدّثني المدائني عن عوانة عن يحيى بن عليّ الكنانيّ قال:

  شهر أمر قيس بالمدينة وغنّى في شعره الغريض ومعبد ومالك وذووهم، فلم يبق شريف ولا وضيع إلَّا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس ممّا به. وجاءها زوجها فأنّبها على ذلك وعاتبها وقال: قد فضحتني بذكرك. فغضبت وقالت: يا هذا، إني واللَّه ما تزوّجتك رغبة فيك ولا فيما عندك ولا دلَّس أمري عليك، ولقد علمت أني كنت زوجته قبلك وأنه أكره على طلاقي. وو اللَّه ما قبلت التزويج حتى أهدر / دمه إن ألمّ بحيّنا، فخشيت أن يحمله ما يجد على المخاطرة فيقتل، فتزوّجتك. وأمرك الآن إليك، ففارقني فلا حاجة بي إليك. فأمسك عن جوابها وجعل يأتيها بجواري المدينة يغنّينها بشعر قيس كيما يستصلحها بذلك؛ فلا تزداد إلَّا تماديا وبعدا، ولا تزال تبكي كلَّما سمعت شيئا من ذلك أحرّ بكاء وأشجاه.

  وسط بريكة في لقائها، وشعره في ذلك:

  رجع الحديث إلى سياقته.

  وقال الحرمازيّ وخالد بن جمل: كانت امرأة من موالي بني زهرة يقال لها بريكة من أظرف النساء وأكرمهنّ، وكان لها زوج من قريش له دار ضيافة. فلما طالت علَّة قيس قال له أبوه: إني لأعلم أن شفاءك في القرب من لبنى فارحل إلى المدينة. فرحل إليها حتى أتى دار الضيافة التي لزوج بريكة. فوثب غلمانه إلى رحل قيس ليحطَّوه.

  فقال: لا تفعلوا فلست نازلا أو ألقى بريكة فإنّي قصدتها في حاجة؛ فإن وجدت لها عندها موضعا نزلت بكم وإلَّا رحلت. فأتوها فأخبروها. فخرجت إليه فسلَّمت عليه ورحّبت به وقالت: حاجتك مقضية كائنة ما كانت، فانزل.

  فنزل ودنا منها فقال: أذكر حاجتي؟ قالت: إن شئت. قال: أنا قيس بن ذريح. قالت: حيّاك اللَّه وقرّبك! إنّ ذكرك لجديد عندنا في كل وقت. قال: وحاجتي أن أرى لبنى نظرة واحدة كيف شئت. قالت: ذلك لك عليّ. فنزل بهم وأقام عندها وأخفت أمره، ثم أهدى لها هدايا كثيرة وقال: لاطفيها وزوجها بهذا حتى يأنس بك. ففعلت وزارتها مرارا، ثم قالت لزوجها: أخبرني عنك: أنت خير من زوجي؟ قال: لا. قالت: فلبنى خير منّي؟ قال: لا. قالت:

  فما بالي أزورها ولا تزورني؟ قال: ذلك إليها. فأتتها وسألتها الزيارة وأعلمتها أن قيسا عندها. فتسارعت إلى ذلك وأتتها. فلمّا رآها / ورأته بكيا حتى كادا يتلفان. ثم جعلت تسأله عن خبره وعلَّته فيخبرها، ويسألها فتخبره. ثم قالت: أنشدني ما قلت في علَّتك؛ فأنشدها قوله:

  أعالج من نفسي بقايا حشاشة⁣(⁣١) ... على رمق والعائدات تعود

  / فإن ذكرت لبنى هشثت لذكرها ... كما هشّ للثدي الدّرور وليد

  أجيب بلبنى من دعاني تجلَّدا ... وبي زفرات تتجلى وتعود


(١) الحشاشة: بقية الروح في المريض والجريح.