ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  - وقد مضت هذه الأبيات - فقال له الرجل: فلم تزوّجت بعدها؟ فأخبره الخبر، وحلف له أنّ عينه ما اكتحلت بالمرأة التي تزوّجها، وأنه لو رآها في نسوة ما عرفها، وأنه ما مدّ يده إليها ولا كلَّمها ولا كشف لها عن ثوب. فقال له الرجل: فإني جار لها وإنها من الوجد بك على حال قد تمنّى زوجها معها أن تكون بقربها لتصلح حالها بك؛ فحمّلني إليها ما شئت أؤدّه إليها. قال: تعود إليّ إذا أردت الرحيل، فعاد إليه لمّا أراد الرحيل. فقال تقول لها:
  ألا حيّ لبنى اليوم إن كنت غاديا ... وألمم بها من قبل أن لا تلاقيا
  وأهد لها منك النصيحة إنها ... قليل ولا تخش الوشاة الأدانيا
  وقل إنّني والراقصات إلى منّى ... بأجبل جمع(١) ينتظرن المناديا
  أصونك عن بعض الأمور مضنّة ... وأخشى عليك الكاشحين الأعاديا
  تساقط نفسي حين ألقاك أنفسا ... يردن فما يصدرن إلَّا صواديا
  فإن أحي أو أهلك فلست بزائل ... لكم حافظا ما بلّ ريق لسانيا
  أقول إذا نفسي من الوجد أصعدت ... بها زفرة تعتادني هي ما هيا
  وبين الحشى والنحر منّي حرارة ... ولوعة وجد تترك القلب ساهيا
  ألا ليت لبنى لم تكن لي خلَّة(٢) ... ولم ترني لبنى ولم أدر ماهيا
  سلي الناس هل خبّرت سرّك منهم ... أخا ثقة أو ظاهر الغشّ باديا
  يقول لي الواشون لمّا تظاهروا ... عليك وأضحى الحبل للبين واهيا
  / لعمري لقبل اليوم حمّلت ما ترى ... وأنذرت من لبنى الذي كنت لاقيا
  خليليّ مالي قد بليت ولا أرى ... لبينى على الهجران إلَّا كما هيا
  ألا يا غراب البين مالك كلَّما ... ذكرت لبينى طرت لي عن شماليا
  أعندك علم الغيب أم لست(٣) مخبري ... عن الحيّ إلَّا بالذي قد بدا ليا
  جزعت عليها لو أرى لي مجزعا ... وأفنيت دمع العين لو كان فانيا
  / حياتك لا تغلب عليها فإنه ... كفى بالذي تلقى لنفسك ناهيا
  تمرّ الليالي والشهور ولا أرى ... ولوعي بها يزداد إلَّا تماديا
  فما عن نوال من لبينى زيارتي ... ولا قلَّة الإلمام أن كنت قاليا
  ولكنّها صدّت وحمّلت من هوى ... لها ما يؤود الشامخات الرواسيا
  وهذه القصيدة تخلط بقصيدة المجنون التي في وزنها وعلى قافيتها لتشابههما، فقلَّما يتميّزان.
(١) جمع: المزدلفة.
(٢) خلة: صديقة.
(٣) كذا في س: وفي جميع الأصول: «أم أنت».