ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره
  شكا إلى يزيد ما به وامتدحه فحقن دمه:
  / - غنّت في هذين البيتين ضنين جارية خاقان بن حامد خفيف رمل قالوا: ثم ارتحل إلى معاوية، فدخل إلى يزيد فشكا ما به إليه وامتدحه؛ فرقّ له وقال: سل ما شئت، إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتّم عليه أن يطلَّقها فعلت. / قال: لا أريد ذلك، ولكن أحبّ أن أقيم بحيث تقيم من البلاد، أتعرّف أخبارها وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي. قال: لو سألت هذا من غير أن ترحل إلينا فيه لما وجب أن تمنعه، فأقم حيث شئت؛ وأخذ كتاب أبيه له بأن يقيم حيث شاء وأحبّ ولا يعترض عليه أحد، وأزال ما كان كتب له في إهدار دمه؛ فقدم إلى بلده. وبلغ الفزاريّين خبره وإلمامه بلبنى، فكاتبوه في ذلك وعاتبوه. فقال للرسول: قل للفتى (يعني أخا الجارية التي تزوّجها): يا أخي ما غررتك من نفسي، ولقد أعلمتك أني مشغول عن كل أحد، وقد جعلت أمر أختك إليك فأمض فيه من حكمك ما رأيت. فتكرّم الفتى عن أن يفرّق بينهما، فمكثت في حباله(١) مدّة ثم ماتت.
  لقبه عياش السعدي ذاهلا شارد اللب وأنشده من شعره فيها:
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ عن أبيه قال:
  أقبلت ذات يوم من الغابة(٢)؛ فلما كنت بالمذاد(٣)، إذا ربع حديث العهد بالساكن، وإذا رجل مجتمع في جانب ذلك الربع يبكي ويحدّث نفسه. فسلَّمت فلم يردّ عليّ سلاما. فقلت في نفسي: رجل ملتبس(٤) به فولَّيت عنه. فصاح بي بعد ساعة: وعليك السلام، هلمّ هلم إليّ يا صاحب السلام! فأتيته فقال: أما واللَّه لقد فهمت سلامك ولكنّي رجل مشترك اللَّبّ يضلّ عنّي أحيانا ثم يعود إليّ. فقلت: ومن / أنت؟ قال: قيس بن ذريح اللَّيثيّ.
  قلت: صاحب لبنى؟ قال: صاحب لبنى لعمري وقتيلها!. ثم أرسل عينيه كأنهما مزادتان؛ فما أنسى حسن قوله:
  أبائنة لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرم فييأس طامع
  نهاري نهار الوالهين صبابة ... وليلي تنبو فيه عنّي المضاجع
  وقد كنت قبل اليوم خلوا وإنّما ... تقسّم بين الهالكين المصارع
  فلو لا رجاء القلب أن تسعف(٥) النّوى ... لما حبسته بينهنّ الأضالع
  له وجبات إثر لبنى كأنها ... شقائق برق في السماء لوامع
  أبى اللَّه أن يلقى الرشاد متيّم ... ألا كلّ أمر حمّ لا بدّ واقع
  هما برّحابي معولين كلاهما ... فؤاد وعين جفنها الدّهر دامع
(١) كذا في ج و «تجريد الأغاني». وفي سائر الأصول: «في خباء له» وهو تحريف.
(٢) الغابة: بريد من المدينة على طريق الشام.
(٣) المذاد: موضع بالمدينة حيث حفر رسول اللَّه ﷺ الخندق. وقيل: هو واد بين سلع وخندق المدينة. (راجع «معجم ما استعجم» للبكري و «معجم البلدان» لياقوت و «لسان العرب» مادة مذد).
(٤) في «تجريد الأغاني»: «ملتبس» بدون كلمة «به». وفي الأصول: «مكتنس عنه». وقد اعتمدنا في إصلاحه على ما ورد في حديث المبعث: «فجاء الملك فشق عن قلبه قال فخفت أن يكون قد التبس بي» أي خولطت في عقلي.
(٥) كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «تسعر» ولعلها محرفة عن «تسعد».