كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

غناء الواثق

صفحة 190 - الجزء 9

  /

  لا يدفعون هواما عن وجوههم ... كأنهم خشب بالقاع منجدل

  فشربت الرّطل ثم قمت فدعوت له؛ فأجلسني وقال: أتشتهي أن تسمعه ثانية؟ فقلت: إي واللَّه، فغنّانيه ودعا لي برطل، ففعلت كما فعلت ثانية ثم ثالثة. وصاح ببعض خدمه وقال له: إحمل إلى إسحاق ثلاثمائة ألف درهم. ثم قال: يا إسحاق، / قد سمعت ثلاثة أصوات وشربت ثلاثة أرطال وأخذت ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك ليسرّوا بسرورك؛ فانصرفت بالدراهم.

  صنع مائة صوت ليس فيها صوت ساقط:

  أخبرني محمد قال سمعت أحمد بن محمد بن الفرات يقول سمعت عريب تقول: صنع الواثق مائة صوت ما فيها صوت ساقط. ولقد صنع في هذا الشعر:

  هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

  هذا كتاب فتى طالت بليّته ... يقول يا مشتكى بثّى وأحزاني

  لحنا من الرّمل تشبّه فيه بصنعة الأوائل.

  نسبة هذا الصوت

  الشعر ليعقوب بن إسحاق الرّبعيّ المخزوميّ. والغناء للواثق رمل بالوسطى من رواية الهشاميّ.

  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وعليّ بن سليمان الأخفش قالوا حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال قال الزّبير بن بكَّار:

  كتب ابن أبي مسرّة المكَّيّ إلى أهل المدينة بيتين وهما:

  هذا كتاب فتى طالت بليّته ... يقول يا مشتكى بثّي وأحزاني

  هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

  قال الزّبير: وكنت غائبا، فلما قدمت قال لي أهل المدينة ذلك. فقلت لهم: أيكتب إليكم صاحبكم يعاتبكم فلا تجيبونه!.

  شعر يعقوب بن إسحاق الربعي:

  أنشدني يعقوب بن إسحاق الرّبعيّ المخزوميّ لنفسه:

  قال الوشاة لهند عن تصارمنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني

  يعقوب ليس بمتبول ولا كلف ... ويح الوشاة فإنّ الداء أضناني

  / ما بي سوى الحبّ من هند وإن بخلت ... حبّي لهند برى جسمي وأبلاني

  قد قلت حين بدا لي بخل سيّدتي ... وقد تتابع بي بثّي وأحزاني

  هل تعلمين وراء الحبّ منزلة ... تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني

  قالت نعم قلت ما ذاكم أسيّدتي ... وطاعة الحبّ تنفي كلّ عصيان