غناء الواثق
  قالت فدعنا بلا صرم ولا صلة ... ولا صدود ولا في حال هجران
  حتى يشكّ وشاة قد رموك بنا ... وأعلنوا بك فينا أيّ إعلان
  ومن غناء الواثق باللَّه:
  صوت
  غناؤه في شعر لذي الرمة:
  خليليّ عوجا من صدور الرّواحل ... بجرعاء حزوى وابكيا في المنازل
  / لعلّ انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجيّ البلابل
  الشعر لذي الرّمة. والغناء للواثق باللَّه رمل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ. ولإسحاق فيهما رمل بالسبّابة في مجرى البنصر. ولحن الواثق منهما الذي أوّله البيت الثاني وهو اللحن المحثوث المسجح وله ردّة في «لعل». ولحن إسحاق أوّله البيت الأوّل ثم الثاني وهو أشدّهما إمساكا وفيه صياح.
  غنى إسحاق الموصلي بحضرته صوتا أخذته عنه شاجى فأجازه:
  أخبرنا أبو أحمد يحيى بن عليّ بن يحيى قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللَّه بن مالك الخزاعيّ قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
  أنه دخل على إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ وقد كان تكلَّم له في حاجة فقضيت. فقال له: أعطاك اللَّه أيها الأمير ما لم تحط به أمنيّة ولم تبلغه رغبة. قال: فاشتهي هذا الكلام فاستعاده فأعدته. قال: ثم مكثنا ما شاء اللَّه؛ وأرسل الواثق إلى محمد بن إبراهيم يأمره بإشخاصي إليه في الصوت الذي أمرني أن أتغنّى فيه وهو:
  لقد بخلت حتى لو انّي سألتها
  / فأمر لي بمائة ألف درهم. فأقمت ما شاء اللَّه ليس أحد من مغنّيهم يقدر على أن يأخذ هذا الصوت منّي. فلما طال مقامي قلت: يا أمير المؤمنين، ليس أحد من هؤلاء المغنّين يقدر على أن يأخذ هذا الغناء منّي. فقال لي: ولم ويحك؟ قلت: لأني لا أصحّحه ولا تسخو نفسي لهم به. فلما فعلت يا أمير المؤمنين في الجارية التي أخذتها منّي؟
  (يعني شجا، وهي التي كان أهداها إلى الواثق وعمل لها المصنّف الذي في أيدي الناس لإسحاق). قال: وكيف؟
  فقلت: لأنها تأخذه منّي وأطيب به لها نفسا، وهم يأخذونه منها. قال: فأمر بها فأخرجت وأخذته على المكان.
  فأمر لي بمائة ألف درهم أخرى، وأذن لي في الانصراف. وكان إسحاق بن إبراهيم الطاهريّ حاضرا عنده، فقلت له عند وداعي إيّاه: أعطاك اللَّه يا أمير المؤمنين ما لم تحط به أمنيّة ولم تبلغه رغبة. فالتفت إليّ إسحاق بن إبراهيم فقال لي: ويحك يا إسحاق! تعيد الدعاء! فقلت: إي واللَّه أعيده قاصّ أنا أو مغنّ. فانصرفت إلى بغداد وأقمت، حتى قدم إسحاق فجئته مسلَّما. فقال: ويلك يا إسحاق! أتدري ما قال أمير المؤمنين بعد خروجك من عنده؟ قلت:
  لا، أيها الأمير. قال: قال لي: ويحك! كنّا أغنى الناس عن أن نبعث إسحاق على لحننا فيفسده علينا. هذه رواية أبي أيّوب.