غناء الواثق
  برّز إسحاق عليه في لحن اشتركا فيه:
  أخبرني الحسين بن يحيى عن وسواسة بن الموصليّ عن حمّاد بن إسحاق قال:
  كتب حمدون بن إسماعيل إلى أبي: إن أمير المؤمنين الواثق يأمرك أن تصنع لحنا في هذا الشعر:
  لقد بخلت حتى لو انّي سألتها
  وقد كان الواثق غنّى فيه غناء أعجبه؛ فغنّى فيه أبي. فلما سمعه الواثق قال: أفسد علينا إسحاق ما كنّا أعجبنا به من غنائنا. قال حمّاد: ثم لم أعلم أن أبي صنع بعده غناء حتى مات.
  ومن مشهور أغاني الواثق:
  صوت
  سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
  أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد رمياني(١)
  ولحنه فيه من الثقيل الأوّل. ولإسحاق فيه رمل.
  قصة لأعرابي عاشق مع إسحاق بن سليمان بن علي:
  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال أخبرني محمد بن منصور بن عليّة القرشيّ قال أخبرني جعفر بن عبيد اللَّه بن جعفر الهاشميّ عن إسحاق بن سليمان بن عليّ قال:
  / لقيت أعرابيّا بالسّميّة(٢) فصيحا، فاستخففته وتأمّلته فإذا هو مصفرّ شاحب ناحل الجسم، فاستنشدته فأنشدني الشيء بعد الشيء على استكراه منّي له. فقلت له: ما بالك؟ فو اللَّه إنك لفصيح! فقال: أما ترى الجبلين؟
  قلت بلى. قال: في ظلالهما واللَّه يمنعني من إنشادك ويشغلني ويذهلني عن الناس. قلت: وما ذاك؟ قال: بنت عمّ لي قد تيّمتني وذهبت بعقلي، واللَّه إنه لتأتي عليّ ساعات ما أدري أفي السماء أنا أم في الأرض، ولا أزال ثابت العقل ما لم يخامر ذكرها قلبي، فإذا خامره بطلت حواسّي وعزب عنّي لبّي. قلت: فما يمنعك منها؟ أقلَّة ما في يدك؟ قال: واللَّه ما يمنعني منها غير ذلك. قلت: وكم مهرها؟ قال: مائة ناقة. قلت: فأنا أدفعها إليك إذا لتدفعها إليهم. قال: واللَّه لئن فعلت ذلك إنك لأعظم الناس عليّ منّة. فوعدته بذلك واستنشدته ما قال فيها، فأنشدني أشياء كثيرة منها قوله:
  /
  سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان
  البيتان. فقلت له: يا أعرابيّ، واللَّه لقد قتلتني بقولك «ففاتاني وقد قتلاني» وأنا بريء من العبّاس أن لم أقم بأمرك.
  ثم دعوت بمركوب فركبته وحملت معي الأعرابيّ، فصرنا إلى أبي الجارية في جماعة من أهلي ومواليّ حتى زوّجته إيّاها وضمنت عنه الصّداق واشتريت له مائة ناقة فسقتها عنه؛ وأقمت عندهم ثلاثا ونحرت لهم ثلاثين جزورا، ووهبت للأعرابيّ عشرة آلاف درهم وللجارية مثلها، وقلت: استعينا بهذا على اتّصالكما وانصرفت. فكان الأعرابيّ يطرقنا في كلّ سنة وامرأته معه فأهب له وأصله وينصرف.
(١) ويروى: «وقد قتلاني» (انظر الصفحة الآتية).
(٢) السمية: جبل، كما في «معجم البلدان» لياقوت.