غناء الواثق
  قال عليّ بن يحيى خاصّة في خبره: فقال لي أحمد بن إبراهيم: يا أبا الحسن، أخبرني لو قال الخليفة لإسحاق:
  أحضر لي فضلا وحمّادا أليس كان يفتضح إسحاق! (يعني من دمامة خلقتهما وتخلَّف شاهدهما).
  خرج معه إسحاق إلى النجف، وشعره فيها وفي حنينه إلى ولده:
  قال إسحاق: ثم انحدرت مع الواثق إلى النّجف، فقلت: يا أمير المؤمنين، قد قلت في النّجف قصيدة.
  فقال: هاتها؛ فأنشدته قولي:
  يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف ... نحيّ دارا لسعدى ثم ننصرف
  / لم ينزل الناس في سهل ولا جبل ... أصفى هواء ولا أغذي من النّجف
  حفّت ببرّ وبحر في جوانبها ... فالبرّ في طرف والبحر في طرف
  ما إن يزال نسيم من يمانية ... يأتيك منها بريّا روضة أنف
  حتى انتهيت إلى مديحه فقلت وقد انتهيت إلى قولي فيه:
  لا يحسب الجود يفني ماله أبدا ... ولا يرى بذل ما يحوي من السّرف
  فقال لي: أحسنت يا أبا محمد! فكنّاني، وأمر لي بألف درهم. وانحدرنا إلى الصالحيّة التي يقول فيها أبو نواس:
  فالصالحيّة من أكناف كلواذا(١)
  وذكرت الصبيان وبغداد فقلت:
  أتبكي على بغداد وهي قريبة ... فكيف إذا ما ازددت منها غدا بعدا
  لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى ... لو انّا وجدنا من فراق لها بدّا
  / إذا ذكرت بغداد نفسي تقطَّعت ... من الشوق أو كادت تموت بها وجدا
  كفى حزنا أن رحت لم تستطع لها ... وداعا ولم تحدث لساكنها عهدا
  فقال لي: يا موصليّ، لقد اشتقت إلى بغداد! فقلت: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، ولكني اشتقت إلى الصبيان، وقد حضرني بيتان. فقال هاتهما. فقلت:
  حننت إلى الأصيبية الصّغار ... وشاقك منهم قرب المزار
  وكلّ مفارق يزداد شوقا ... إذا دنت الدّيار من الديار
  فقال لي: يا إسحاق، سر إلى بغداد فأقم شهرا مع صبيانك ثم عد إلينا، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم.
  امتياز إسحاق على المغنين في مجلسه:
  أخبرني جحظة عن ابن حمدون: أن إسحاق كان يحضر مجالس الخلفاء إذا جلسوا للشّرب في جملة المغنّين وعوده معه إلى أيام الواثق، فإنه كان إذا قدم عليه يحضر مع الجلساء بغير عود، ويدنيه الواثق ولا يغنّي حتى يقول له: غنّ، فإذا قال له غنّ جاؤه بعود فغنّى به، وإذا فرغ رفع العود من بين يديه إكراما من الواثق له.
(١) راجع الحاشية رقم ١ ص ٣٥٧ ج ٥ من هذه الطبعة.