كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

غناء الواثق

صفحة 204 - الجزء 9

  سأمنع قلبي من مودّة غادر ... تعبّدني خبثا بمكر مكاشر

  خطبت إليه الوصل خطبة راغب ... فلاحظني زهوا بطرف مهاجر

  قال أبو العبّاس عبد اللَّه بن المعتزّ: وللواثق في هذا الشعر لحن من الثقيل الأوّل.

  ألقى على غلمانه صوتا فأخذوه عنه:

  / أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال حدّثني عبد أمّ غلام الواثق قال:

  دعا بنا الواثق مع صلاة الغداة وهو يستاك فقال: خذوا هذا الصوت، ونحن عشرون غلاما كلَّنا يغنّي ويضرب، ثم ألقى علينا:

  أشكو إلى اللَّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي فلا أشكو إلى أحد

  فما زال يردّده حتى أخذناه عنه.

  نسبة هذا الصوت

  أشكو إلى اللَّه ما ألقى من الكمد ... حسبي بربّي فلا أشكو إلى أحد

  أين الزمان الذي قد كنت ناعمة ... مهلَّة بدنوّي منك يا سندي

  وأسأل اللَّه يوما منك يفرحني ... فقد كحلت جفون العين بالسّهد

  شوقا إليك وما تدرين ما لقيت ... نفسي عليك وما بالقلب من كمد

  الغناء للواثق ثقيل أوّل بالبنصر. وفيه لعريب أيضا ثقيل أوّل بالوسطى.

  كان إسحاق يصحح له غناءه:

  أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد المكَّيّ قال حدّثني أبي قال:

  كان الواثق يعرض صنعته على إسحاق، فيصلح الشيء بعد الشيء ممّا يخفى على الواثق؛ فإذا صحّحه أخرجه إلينا وسمعناه.

  أمر مخارقا وعلويه وعريب أن يعارضوا لحنا له:

  حدّثنا جحظة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني مخارق قال:

  لمّا صنع الواثق لحنه في:

  حوراء ممكورة⁣(⁣١) منعّمة ... كأنما شفّ وجهها نزف

  / وصنع لحنه في «سأذكر سربا طال ما كنت فيهم» أمرني وعلَّويه وعريب أن نعارض صنعته فيهما؛ ففعلنا واجتهدنا ثم غنّيناه. فضحك فقال: أمنّا معكم أن نجد من يبغّض إلينا صنعتنا كما بغّض إسحاق إلينا «أيا منشر الموتى». قال حمّاد: هذا آخر لحن صنعه أبي. يعني الذي عارض به لحن الواثق في «أيا منشر الموتى».


(١) الممكورة: المدمجة الخلق من النساء، وقيل: المستديرة الساقين. وقوله: «كأنما شف وجهها نزف» يريد أنها رقيقة المحاسن وكأن دمها ودم وجهها نزف. والمرأة أحسن ما تكون غب نفاسها لأنه يكون قد ذهب تهيج الدم فتصير رقيقة المحاسن.