إني إذا الشاعر المغرور حرّبني ... جار لقبر على مرّان⁣^(⁣١) مرموس

  قد كان أشوس آباء فورّثنا ... شغبا على الناس في أبنائه الشّوس⁣^(⁣٢)

  أقصر فإنّ نزارا لن يفاضلها⁣^(⁣٣) ... فرع لئيم وأصل غير مغروس

  وابن اللَّبون إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال حدّثنا عمر بن شبّة قال قال أبو عبيدة:

  دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وعنده عديّ بن الرّقاع العامليّ. فقال له الوليد: أتعرف هذا؟ قال: لا، فمن هو؟ قال: هذا ابن الرّقاع. قال فشرّ الثياب الرّقاع، فممّن هو؟ قال: من عاملة. قال: أمن التي قال اللَّه تعالى فيها: {عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً}!. فقال الوليد: واللَّه ليركبنّك! / لشاعرنا ومادحنا والراثي لأمواتنا تقول هذه المقالة! يا غلام بإكاف⁣^(⁣٤) ولجام. فقام إليه عمر بن الوليد فسأله أن يعفيه فأعفاه. فقال: واللَّه لئن هجوته لأفعلنّ ولأفعلنّ. فلم يصرّح بهجائه وعرّض، فقال قصيدته التي أوّلها:

  حيّ الهدملة من ذات المواعيس

  وقال فيها يعرّض به:

  قد جرّبت عركتي في كلّ معترك ... غلب الأسود فما بال الضّغابيس⁣^(⁣٥)

  فضل جرير عليه كثيرا في مجلس بعض الخلفاء:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكَّار قال حدّثني سليمان بن عيّاش السّعديّ قال:

  ذكر كثيّر وعديّ بن الرّقاع العامليّ في مجلس بعض خلفاء بني أميّة، فامتروا فيهما أيّهما أشعر وفي المجلس جرير. فقال جرير: لقد قال كثيّر بيتا هو أشهر وأعرف في الناس من عديّ بن الرّقاع نفسه؛ ثم أنشد قول كثيّر:

  أأن زمّ أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين

  قال: فحلف الخليفة لئن كان عديّ بن الرّقاع أعرف في الناس من بيت كثيّر ليسرجنّ جريرا وليلجمنّه وليركبنّ عديّ بن الرّقاع على ظهره. فكتب إلى واليه بالمدينة: إذا فرغت من خطبتك فسل الناس من الذي يقول:

  أأن زمّ أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البين أنت حزين

  وعن نسب ابن الرّقاع. فلمّا فرغ الوالي من خطبته قال: إنّ أمير المؤمنين كتب إليّ أن أسألكم من الذي يقول:

  أأن زمّ أجمال وفارق جيرة

(١) أراد قبر تميم بن مر يمرّان على أربع مراحل من مكة إلى البصرة. وحربني: أغضبني، يقال: منه حرب الرجل يحرب حربا (من باب فرح).

(٢) الشوس (بالتحريك): التكبر والنظر بمؤخر العين.

(٣) كذا في «ديوانه» المخطوط. وفي أكثر الأصول: «لن يفاخركم». وفي س: «لن يفاخرهم».

(٤) الإكاف: برذعة الحمار.

(٥) الغلب: جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة. والضغابيس: جمع ضغبوس وهو الضعيف.