ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره
  وذكر عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر صنعة المعتضد فقرّظها، وقال: لم أجد لحنا قديما قد جمع من النّغم ما جمعه لحن ابن محرز في شعر مسافر بن أبي عمرو وهو:
  يا من لقلب مقصر ... ترك المنى لفواتها
  فإنه جمع من النغم العشر ثمانيا، ولحن ابن محرز أيضا في شعر كثيّر:
  توهّمت بالخيف رسما محيلا ... لعزّة تعرف منه الطَّلولا
  وهو أيضا يجمع ثمانيا من النّغم. وقد تلطَّف بعض من له دربة وحذق بهذه الصناعة حتى جمع النّغم العشر في هذا الصوت الأخير متوالية، وجمعها في صوت آخر غير متوالية، وهو في شعر ابن هرمة:
  فإنّك إذ أطمعتني منك بالرضا ... وأيأستني من بعد ذلك بالغضب
  وأعجب من ذلك ما عمله أمير المؤمنين المعتضد باللَّه؛ فإنه صنع في رجز دريد بن الصّمّة «يا ليتني فيها جذع» لحنا من الثقيل الأوّل يجمع النّغم العشر، فأتى به مستوفى الصنعة محكم البناء، صحيح الأجزاء والقسمة، مشبع المفاصل، كثير الأدوار، لاحقا بجيّد صنعة الأوائل. وإنما زاد فضله على من تقدّمه لأنه عمله في ضرب من الرجز / قصير جدّا، واستوفى فيه الصنعة كلَّها على ضيق الوزن، فصار أعجب مما تقدّمه؛ إذ تلك عملت في أوزان تامّة وأعاريض طوال يتمكَّن الصانع فيها من الصنعة ويقتدر على كثرة التصرّف؛ وليس هذا الوزن في تمكَّنه من ذلك فيه مثل تلك.
  نسبة هذا اللحن
  صوت
  يا ليتني فيها جذع ... أخبّ فيها وأضع(١)
  أقود وطفاء(٢) الزّمع ... كأنها شاة صدع(٣)
  الشعر لدريد بن الصّمّة. والغناء للمعتضد، ولحنه ثقيل أوّل يجمع النّغم العشر.
(١) الجذع: الصغير السن. والخبب والوضع: نوعان من السير.
(٢) الزمع: هنات شبه أظفار الغنم في الرسغ، في كل قائمة زمعتان كأنما خلقتا من قطع القرون؛ أو الزمعة: الشعرة المدلاة في مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب. ووطفاء: كثيرة الشعر سابغته. يريد فرسا هذه صفتها.
(٣) الصدع من الأوعال والظباء والإبل والحمر: الفتى الشاب القوي منها.