أخبار دريد بن الصمة ونسبه
  قصته مع أنس بن مدركة الخثعمي ويزيد بن عبد المدان وشعره في ذلك:
  ونسخت من كتاب أبي عمرو الشّيبانيّ الذي ذكرته يأثره عن محمد بن السّائب الكلبيّ قال:
  جاور رجل من ثمالة عبد اللَّه بن الصمّة، فهلك عبد اللَّه وأقام الرجل في جوار دريد. وأغار أنس بن مدركة الخثعميّ على بني جشم، فأصاب مال الثّماليّ وأصاب ناسا من ثمالة كانوا جيرانا لدريد؛ فكفّ دريد عن طلب القوم وشغل بحرب من يليه، وقال لجاره ذلك: أمهلني عامي هذا. فقال الثماليّ: قد أمهلتك عامين. وخرج دريد ليلة لحاجته وقد أبطأ في أمر الثّماليّ، فسمعه يقول:
  /
  كساك دريد الدهر ثوب خزاية ... وجدّعك الحامي حقيقته أنس
  دع الخيل والسّمر الطَّوال لخثعم ... فما أنت والرّمح الطويل وما الفرس
  وما أنت والغزو المتابع للعدا ... وهمّك سوق العود والدّلو والمرس(١)
  فلو كان عبد اللَّه حيّا لردّها ... وما أصبحت إبلي بنجران تحتبس
  ولا أصبحت عرسي بأشقى معيشة ... وشيخ كبير من ثمالة في تعس
  يراعي نجوم الليل من بعد هجعة ... إلى الصبح محزونا يطاوله النّفس
  وكنت وعبد اللَّه حيّ وما أرى ... أبالي من الأعداء من قام أو جلس
  فأصبحت مهضوما حزينا لفقده ... وهل من نكير بعد حولين تلتمس
  قال: فضاق دريد ذرعا بقوله، وشاور أولي الرأي من قومه؛ فقالوا له: ارحل إلى يزيد بن عبد المدان؛ فإنّ أنسا قد خلَّف المال والعيال بنجران للحرب التي وقعت بين خثعم، وإن يزيد يردّها عليك. فقال دريد: بل أقدّم إليه قبل ذلك مدحة ثم أنظر ما موقعي من الرجل، فقال هذه القصيدة وبعث بها إلى يزيد:
  /
  بني الدّيّان ردّوا مال جاري ... وأسرى في كبولهم(٢) الثّقال
  وردّوا السّبي إن شئتم بمنّ ... وإن شئتم مفاداة بمال
  فأنتم أهل عائدة وفضل ... وأيد في مواهبكم طوال
  متى ما تمنعوا شيئا فليست ... حبائل أخذه غير السؤال
  وحربكم بني الدّيّان حرب ... يغصّ المرء منها بالزّلال
  وجارتكم بني الدّيّان بسل(٣) ... وجاركم يعدّ مع العيال
  حذا عبد المدان لكم حذاء ... مخصّرة الصدور على مثال
  / بني الدّيّان إنّ بني زياد ... هم أهل التكرّم والفعال
  فأولوني بني الدّيّان خيرا ... أقرّ لكم به أخرى الليالي
(١) العود: المسن من الإبل. والمرس: الحبل، والمراد هنا حبل الاستقاء.
(٢) في أ، م، ح: «في كبولكم».
(٣) البسل: الحرام.